للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحاصله أن الأئمة يُرَتَّبون كما رتبهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أبي مسعود -رضي اللَّه عنه- المذكور في الباب، فيقدم الأقرأ، فإن استووا، فالأعلم بالسنّة، فإن استووا، فالأقدم في الهجرة، فإن استووا فالأكبر سنًا.

فإن خالفوا ذلك جازت الصلاة مع الكراهة، وإنما قلنا بجوازها؛ لأن الأمر في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يؤم القوم أقرؤهم" ليس للوجوب، بدليل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنهما-، وإنما قلنا بكراهتها؛ لمخالفة السنّة.

ثم إن تقديم الأقرأ على الأعلم بالسنّة محله -كما سبق في كلام الحافظ- إذا كان عارفًا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، وأما إذا كان جاهلًا بذلك فلا يجوز تقديمه بلا خلاف بين أهل العلم، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في إمامة غير البالغ:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد اختلف الناس في إمامة غير البالغ؛ فقالت طائفة بظاهر حديث عمرو بن سلمة (١)، ثم أخرج بسنده عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن الأشعث قَدَّم غلامًا، فقيل له؟، فقال: إنما أقدم


(١) هو ما أخرجه البخاريّ، عن عمرو بن سَلِمَة قال: كنا بماء مَمَرِّ الناس، وكان يمر بنا الرُّكْبان، فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن اللَّه أرسله، أوحى إليه، أو أوحى اللَّه بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يُقَرُّ في صدري، وكانت العرب تَلَوَّم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم، فهو نبيّ صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كلُّ قوم بإسلامهم، وبَدَرَ أبي قومي بإسلامهم، فلما قَدِمَ قال: جئتكم واللَّه من عند النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حقًّا، فقال: "صَلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا"، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني؛ لما كنت أتلقى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ست، أو سبع سنين، وكانت عليّ بُرْدَةٌ كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحيّ: ألا تُغَطُّوا عنا است قارئكم، فاشتَرَوا، فقطعوا لي قميصًا، فما فَرِحت بشيء فرحي بذلك القميص. انتهى.