للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ) أي دخل وقتها، وحان أداؤها (فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ) هذه الرواية تبيّن معنى الرواية الآتية: "فأذّنا، وأقيما"، أي ليؤذّن واحد منكما.

وقال في "الفتح": المراد بقوله: "أَذِّنا" أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل، ولا يُعتَبَر في الأذان السنّ، بخلاف الإمامة، وهو واضح من سياق حديث الباب، حيث قال: "فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" (١).

(ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ") أي سنًّا، وليس المراد أكبركما قدرًا ومنزلةً؛ لما مرّ قريبًا أنهما كانا متقاربين في العلم.

وعند أبي داود من رواية ابن علية، قال: قال خالد -يعني الحذّاء-: قلت لأبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما متقاربان، يعني أين القرآن الذي أمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صاحبه أن يتقدّم على غيره في الصلاة؟ وإنما سأل عن ذلك؛ لأن ظاهر هذا الحديث يُعارض حديث: "يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه"، فإنه صريحٌ في تقديم الأقرأ، وهذا صريحٌ في تقديم الأكبر سنًّا، فأجابه بأنهما كانا متقاربين في القرآن، فبقي الفضل في السنّ، فأمر بتقديمه. انتهى.

وقال في "الفتح": ظاهره تقديم الأكبر بكثير السنّ وقليله، وأما مَن جَوَّز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعمّ من السن أو القدر، كالتقدم في الفقه والقراءة والدين، فبعيدٌ؛ لما تقدم من فهم راوي الخبر، حيث قال للتابعيّ: "فأين القراءة؟ "، فإنه دالّ على أنه أراد كبر السنّ.

وكذا دعوى مَن زَعَمَ أن قوله: "ثم ليؤمكم أكبركم" معارَضٌ بقوله: "يؤم القوم أقرؤهم"؛ لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ، والثاني عكسه، ثم انفصل عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين، قابلةٌ للاحتمال، بخلاف الحديث الآخر، فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم، قال: فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه. انتهى.

معقّبٌ أن التنصيص على تقاربهم في العلم يرُدّ عليه، فالجمع الذي قدّمناه


(١) "الفتح" ٢/ ١٣١.