للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن هذا متصوَّر في حق الله تعالى، فإن الخير كله منه سبحانه وتعالى، قال مالك وغيره: المحبة في الله من واجبات الإسلام. انتهى كلام القاضي رحمه الله تعالى.

وقال في "الفتح": فيه استعارة تخييلية، شَبَّه رَغْبةَ المؤمن في الإيمان، بشيء حُلْوٍ، وأَثبت له لازم ذلك الشيء، وأضافه إليه، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح؛ لأن المريض الصفراوي، يجد طعم العسل مُرًّا، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكُلَّما نقصت الصحة شيئًا ما، نقص ذوقه بقدر ذلك، فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يُقَوّي استدلال البخاريّ على الزيادة والنقص، أي على زيادة الإيمان ونقصه. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذكره صاحب "الفتح" من دعوى الاستعارة في الحلاوة، فيه نظرٌ، لأنه إخراج للفظ الحديث إلى معنى مجازيّ من غير حاجة إليه، بل الأولى أن تكون الحلاوة على معناها الحقيقيّ، كما قال بعض المحقّقين رحمه الله تعالى:

اختلف العلماء هل الحلاوة محسوسة، أو معنويّةٌ؟ فحملها قوم على المعنى، وحملها قوم على المحسوس، وأَبْقَوُا اللفظ على ظاهره، من غير أن يتأولوه، قال: والصواب معهم في ذلك - والله أعلم - لأن ما ذهبوا إليه أبقوا به لفظ الحديث على ظاهره، من غير تأويل، وهو أحسن من التأويل، ما لم يُعارِض لظاهر اللفظ معارضٌ، ويشهد لما ذهبوا إليه أحوال الصحابة - رضي الله عنهم -، والسلف الصالح، وأهل المعاملات؛ لأنه قد حُكِي عنهم أنهم وجدوا الحلاوة محسوسة، فمن جملة ما حُكي في ذلك حديث بلال - رضي الله عنه - حين صُنِعَ به ما صُنِع في الرمضاء إكراهًا على الكفر، وهو يقول: أَحَدٌ أحدٌ، فمزَجَ مرارة العذاب بحلاوة الإيمان، وكذلك أيضًا عند موته أهله يقولون: واكرباه، وهو يقول: واطرباه.

غَدًا أَلْقَى الأَحِبَّهْ … مُحَمَّدًا وَصَحْبَهْ

فمزج مرارة الموت بحلاوة اللقاء، وهي حلاوة الإيمان.

ومنها حديث الصحابيّ الذي سُرِق فرسه بليل، وهو في الصلاة، فرأى السارق حين أخذه، فلم يَقْطَع لذلك صلاته، فقيل له في ذلك؟ فقال: ما كنت فيه أكبر من ذلك، وما ذاك إلا للحلاوة التي وجَدَها محسوسة في وقته ذلك.