للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنها: حديث الصحابيّين اللذين جعلهما النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه ليلةً يحرُسان جيش المسلمين، فنام أحدهما، وقام الآخر يصليّ، فإذا الجاسوس من قبل العدوّ، وقد أقبل، فرآهما، فكبد الجاسوس القوس، ورمى الصحابيّ، فأصابه، فبقي على صلاته، ولم يقطعها، ثم رماه ثانيةً، فأصابه، فلم يقطع لذلك صلاته، ثم رماه ثالثةً، فأصابه، فعند ذلك أيقظ صاحبه، وقال: لولا أني خِفتُ على المسلمين ما قطعت صلاتي، وما ذاك إلا لشدّة ما وَجَدَ فيها من الحلاوة، حتى أذهبت عنه ما يجده من ألم السهام. انتهى.

وقال أيضًا ما حاصله: إنما عَبَّرَ بالحلاوة؛ لأن الله شبَّهَ الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: ٢٤] الآية، فالكلمة الطيبة: هي كلمة الإخلاص، وهي أسّ الدين، وبها قِوَامه، فكلمةُ الإخلاص في الإيمان، كأصل الشجرة لا بدّ منه أوّلًا، وأغصان الشجرة في الإيمان عبارة عما تضمّنته كلمة الإخلاص، من اتّباع الأمر، واجتناب النهي، والزهر في الشجرة هو في الإيمان عبارة عما يحدث للمؤمن في باطنه من أفعال البر، وما ينبت في الشجرة من الثمرة هو في الإيمان عبارة عن أفعال الطاعات، وحلاوة الثمرة في الشجرة هي في الإيمان عبارة عن كماله، وعلامة كماله هو ما ذكره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث؛ لأن غاية فائدة الثمرة في تناهي حلاوة ثمرها، وكماله، ولهذا قال تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: ٢٥]. انتهى (١).

(مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ) بنصب "أحبَّ"، لأنه خبر "كان"، وإنما لم يُثنّيه حتى يُطابق اسم "كان" لأن أفعل التفضيل إذا استعمل بـ "من" يكون مفردًا مذكّرًا لا غير، كما بيّن ابن مالك رحمه الله تعالى أحواله في "الخلاصة" حيث قال:

وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا … تَقْدِيرًا اوْ لَفْظًا بِـ "مِنْ" إِنْ جُرِّدَا

وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا … أُلْزِمَ تَذْكِيرًا وَأَنْ يُوَحَّدَا

هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى "مِنْ" وَإِنْ … لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ


(١) راجع: "بهجة النفوس" للشيخ ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى ١/ ٢٦ - ٢٧.