للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويتخلق بأخلاقه في الجود، والإيثار، والحلم، والتواضع، وغيرها، فمن جاهد نفسه على ذلك، وجد حلاوة الإيمان، وتتفاوت مراتب المؤمنين بحسب ذلك. انتهى (١).

(مِمَّا سِوَاهُمَا) لم يقل: "ممن" لكون "ما" أعمّ (وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ) بالنصب على المفعوليّة (لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ) جملة حاليّةٌ تحتمل أن تكون من الفاعل، أو المفعول، أو كليهما معًا، أفاده الكرمانيّ (٢).

قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: يعني بالمرء هنا: المسلم المؤمن؛ لأنه هو الذي يمكن أن يُخْلَصَ لله تعالى في محبّته، وأن يُتقرَّب لله تعالى باحترامه، وحرمته، فإنه الموصوف با لأخوّة الإيمانيّة، والمحبّة الدينيّة، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الآية [الحجرات: ١٠]، وكما قال تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: ١٠٣].

وقد أفاد هذا الحديث أن محبّة المؤمن الموصلة لحلاوة الإيمان لا بدّ أن تكون خالصة لله تعالى، غير مشوبة بالأعراض الدنيويّة، ولا الحظوظ البشريّة، فإن من أحبّه لذلك انقطعت محبّته إن حصل له ذلك الغرض، أو يئس من حصوله، ومحبة المؤمن وظيفة متعيّنة على الدوام، وُجدت الأعراض، أو عُدمت.

ولَمّا كانت المحبّة للأعراض هي الغالبة قَلّ وجدان تلك الحلاوة، بل قد انعدم، لا سيّما في هذه الأزمان التي قد امّحَى فيها أكثر رسوم الإيمان.

وعلى الجملة فمحبّة المؤمنين من العبادات التي لا بدّ فيها من الإخلاص في حسن النيّات. انتهى (٣).

وقال يحيى بن معاذ: حقيقة الحبّ في الله أن لا يزيد بالبرّ، ولا ينقص بالجفاء، ذكره في "الفتح" (٤).

(وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ) أي أن يرجع (فِي الْكُفْرِ) أي يصير فيه، أو يرجع إليه (بَعْدَ أَنْ) بفتح الهمزة: هي المصدريّة (أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ) أي خلّصه، ونجّاه، وهو


(١) "فتح" ١/ ٨٧ - ٨٨.
(٢) "شرح البخاريّ" ١/ ١٠٠.
(٣) "المفهم" ١/ ٢١٤ - ٢١٥.
(٤) "فتح" ١/ ٨٩.