لنفسه" أن يحب لأخيه من الطاعات والمباحات، وظاهره يقتضي التسوية، وحقيقته التفضيل؛ لأن كلّ واحد يحبّ أن يكون أفضل الناس، فإذا أحبّ لأخيه مثله، فقد دخل هو من جملة المفضولين، وكذلك الإنسان يحب أن ينتصف من حقّه، ومظلمته، فإذا كانت لأخيه عنده مظلمة، أو حقّ بادر إلى الإنصاف من نفسه، وقد رُوي هذا المعنى عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال لسفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك، فما أدّيت لله الكريم نصحه، فكيف وأنت تودّ أنهم دونك. انتهى.
وتعقّب الحافظ على القاضي عياض قوله: لأن كل واحد يحب أن يكون أفضل الناس، فقال: وفيه نظر، إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة؛ لأن المقصود الحث على التواضع، فلا يحب أن يكون أفضل من غيره، فهو مستلزم للمساواة، ويستفاد ذلك من قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} [القصص: ٨٣]، ولا يتم ذلك إلا بترك الحسد، والغل، والحقد، والغش، وكلها خصال مذمومة. انتهى "فتح" ١/ ٨٣.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة … إلخ" سيأتي الردّ على هذا، وأنه لا ينافي التواضع، آخر المسألة الثالثة - إن شاء الله تعالى -.
[تنبيه]: من الإيمان أيضًا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه، من الشرّ، ولم يذكره؛ لأن حبّ الشيء، مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه؛ اكتفاء، أفاده الكرمانيّ (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس رضي الله تعالى عنه هذا متّفقٌ عليه.