لأمرّ بالآية من القرآن، فأفهمها، فأودّ أن الناس كلَّهم فهموا منها ما أفهم، وقال الشافعيّ رحمه الله تعالى: ودِدتُ أن الناس كلّهم تعلّموا هذا العلمَ، ولم يُنسب إليّ منه شيء.
فأما حبّ التفرّد عن الناس بفعل دينيّ، أو دنيويّ، فهو مذموم، قال الله تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} الآية [القصص: ٨٣]، وقد قال عليّ - رضي الله عنه - وغيره: هو أن لا يُحبّ أن يكون نعله خيرًا من نعل غيره، ولا ثوبه خيرًا من ثوب غيره.
وفي الحديث المشهور في "السنن": "من تعلّم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوّأ مقعده من النار".
وأما الحديث الذي فيه أن رجلًا سأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني أحبّ الجمال، وما أحبّ أن يفوقني أحدٌ بشراك نعلي، فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليس هذا من الكبر"، فإنما فيه أنه أحبّ أن لا يعلو عليه أحدٌ، وليس فيه محبة أن يعلو هو على الناس، بل يَصْدُق هذا أن يكون مساويًا لأعلاهم، فما حصل بذلك محبّة العلوّ عليهم، والانفراد عنهم، فإن حصل لأحد فضيلة خصّصه الله تعالى بها عن غيره، فأخبر بها على وجه الشكر، لا على وجه الفخر، كان حسنًا، كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أنا سيّد ولد آدم، ولا فخر، وأنا أول شافع، ولا فخر". رواه مسلم، ورواه البخاريّ بلفظ مغاير لهذا، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: لو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل، لأتيته. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: فأما حبّ التفرّد عن الناس بفعل دينيّ … إلخ فيه نظرٌ لا يخفى، فكيف يكون هذا مذمومًا، وقد جاء فيه تنافس الأنبياء والصالحين فيه، فقد قال الله تعالى عن سليمان عليه السلام:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}[ص: ٣٥] الآية، ومعلوم أن طلبه لملك لا ينبغي لغيره محبة للانفراد به، وقال تعالى في دعاء عباد الرحمن:{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان: ٧٤]، ومعلوم أن من يحب أن يكون إمامًا يحب أن يكون رئيسًا في الخير على غيره.
ومن الغريب الاستدلال على ذلك بآية {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا