للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} الآية؛ إذ هي لا تدلّ على ذلك، وإنما المراد بالعلو فيها علوّ التكبّر والتجبّر، لا علوّ الإصلاح والزعامة في الحقّ، ودونك ما قاله المفسّرون في معنى الآية المذكورة:

قال الإمام ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: يُخبر تعالى أن الدار الآخرة، ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض، أي تَرَفُّعًا على خلق الله، وتعاظمًا وتجبُّرًا بهم، ولا فسادًا فيهم، كما قال عكرمة: العلُوُّ: التجبر، وقال سعيد بن جبير: العلو: البَغْيُ، وقال سفيان بن سعيد الثوري، عن منصور، عن مسلم البطين: العلوّ في الأرض: التكبر بغير حقّ، والفسادُ: أخذ المال بغير حقّ، وقال ابن جريج: لا يريدون علوًّا في الأرض تعظمًا وتجبرًا، ولا فسادًا عملًا بالمعاصي.

وقال ابن جرير: حدثنا وكيع، حدثنا أبي، عن أشعث السمان، عن أبي سلام الأعرج، عن عليّ، قال: إن الرجل ليُعجِبه من شِراك نعله أن يكون أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل في قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)}.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره، فإن ذلك مذموم، كما ثبت في "صحيح مسلم" عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنه أُوحي إليّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد"، وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمُّل فهذا لا بأس به، فقد ثبت في "صحيح مسلم" أيضًا: أن رجلًا قال: يا رسول الله إني أحب أن يكون ردائي حسنًا، ونعلي حسنةً، أفمن الكبر ذلك؟ فقال: "لا، إن الله جميل يحب الجمال" (١). انتهى كلام ابن كثير (٢).


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنةً؟، قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَرُ الحقّ، وغَمْطُ الناس".
(٢) "تفسير ابن كثير" ٣/ ٤٠٣.