غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ شكرًا للَّه تعالى، كما قال في حديث عائشه -رضي اللَّه عنها-: "أفلا أكون عبدًا شكورًا".
٧ - (ومنها): في قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ} بيان أن القرآن نزل على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا بعد شيء على حسب الحاجة إليه، حتى أكمل اللَّه دينه، كما قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية [المائدة: ٣]، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): أنه أخذ بمضمون حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- فقهاء الأمصار، فقالوا: يجوز التنفل في السفر لغير القبلة، إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة، والحجة لهم في ذلك حديث الجارود بن أبي سَبْرَة، عن أنس -رضي اللَّه عنه- "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أراد أن يتطوع في السفر استقبل بناقته القبلة، ثم صَلَّى حيث وَجَّهَت رِكَابُهُ". أخرجه أبو داود، وأحمد، والدارقطني، وصححه ابن السكن (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي أنّ ما قاله الإمام أحمد، وأبو ثور هو الأولى؛ لهذا الحديث، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): أجمع أهل العلم على جواز النافلة على الراحلة في السفر قِبَلَ مقصده كما قاله النوويّ، والعراقيّ، والحافظ، وغيرهم.
واختلفوا في جوازه في الحضر، فَجَوَّزه أبو يوسف، وأبو سعيد الإصطخريّ من الشافعية، والظاهرية، وقال ابن حَزْم: وقد رَوَينا عن إبراهيم النخعيّ، قال: كانوا يصلون على رحالهم ودَوَابِّهم حيثما توجهت، قال: وهذه حكاية عن الصحابة، والتابعون عمومًا في الحضر والسفر.
قال النووي: وهو محكيّ عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-.
وقال العراقيّ: استدَلَّ من ذهب إلى ذلك بعموم الأحاديث التي لم تُصَرِّح بذكر السفر، وهو ماشٍ على قاعدتهم أنه لا يُحْمَل المطلق على المقيد، بل يُعْمَل بكل منهما، فأما من يحمل المطلق على المقيد، وهم الجمهور، فحملوا الروايات المطلقة على المقيدة.