للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم إن الجمهور الذين يشترطون السفر قالوا بجواز التنفل على الراحلة سواء كان السفر طويلًا أو قصيرًا، وخالفهم في ذلك مالك، فخصّه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة، قال الطبريّ: لا أعلم أحدًا وافقه على ذلك، وقال الحافظ: ولم يُتَّفَق على ذلك عنه، وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم ينقل عنه أنه سافر سفرًا قصيرًا، فصنع ذلك.

وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك، وكأن السر في جواز التطوع على الراحلة تيسير تحصيل النوافل على العباد، وتكثيرها تعظيمًا لأجورهم رحمة من اللَّه بهم (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الذي يترجح عندي القول بعدم جواز التنفل في الحضر؛ لأن التوجه إلى القبلة فرض في الصلاة مطلقًا بنص الكتاب، فلا يُسْتَثْنَى منه إلا ما استثناه النصّ، وهو حالة السفر، كما يأتي نصًّا من حديث ابن عمر بأن آية {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] نزلت في ذلك، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في جواز الوتر على الراحلة: ذهب أكثرهم إلى جوازه، ومنهم: ابن عمر، ورُوي عن عليّ وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وهو قول سالم وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور.

وقال الثوري: لا بأس به، وبالأرض أحب إليّ، وكذا مذهب مالك في "تهذيب المدونة": أن المسافر إذا كان له حزب، فليوتر على الأرض، ثم يتنفل في الْمَحْمِل بعد الوتر.

وهذا يدل على أن تقديم الوتر على الأرض على قيام الليل أفضل من تأخيره على الراحلة.

ومنع من الوتر على الراحلة من يرى أن الوتر واجب، وهو قول أبي حنيفة، وقال النخعي: كانوا يصلون الفريضة والوتر بالأرض.

قال ابن رجب: وحَكَى ابن أبي موسى عن أحمد في جواز صلاة ركعتي الفجر على الراحلة روايتين، دون الوتر.


(١) "الفتح" ٢/ ٦٧٠.