وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي عمن جمع بين الصلاتين: المغربِ والعشاءِ في الليلة المطيرة؟ فقال: أهل المدينة يَجْمَعُون بينهما، ولم يزل مَنْ قَبْلَنَا يصلّون كل صلاة في وقتها، قال: وسألت الليث بن سعد، وسعيد بن عبد العزيز فقالا مثل ذلك، وكان عمر بن عبد العزيز يرى الجمع بين الصلاتين في حال الريح والظلمة، وكان مالك يرى أن يجمع بينهما في حال الطين والظلمة.
وقالت طائفة: الجمع بين الصلاتين مباح، وإن لم تكن عِلّة، قال: لأن الأخبار قد ثبتت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه جمع بين الصلاتين بالمدينة، ولم يثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه جمع بينهما في المطر، ولو كان ذلك في حال المطر لأُدِّي إلينا ذلك، كما أُدّي إلينا جمعه بين الصلاتين، بل قد ثبت عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- الراوي لحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر، لَمَّا سئل لِمَ فَعَلَ ذلك؟ قال: أراد أن لا يُحْرِج أحدًا من أمته.
ثم قد رَوَينا مع ذلك عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في العلة التي توهمها بعض الناس، ثم أخرج بسنده عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:"جمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوف، ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: لكي لا يحرج أمته".
وأخرج بسنده أيضًا عن أبي الزبير، عن سعيد، عن ابن عباس، قال:"جمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الظهر والعصر بالمدينة في غير سفر، ولا خوف، قال: قلت لابن عباس: ولم تراه فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته".
قال أبو بكر: فإن تَكَلَّم متكلِّم في حديث حبيب، وقال: لا يصح، يعني المطر، قيل: قد ثبت من حديث أبي الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قولُهُ لَمَّا قيل له: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته، ولو كان ثَمَّ مطر من أجله جمع بينهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لذكره ابن عباس عن السبب الذي جمع بينهما، فلما لم يذكره، وأخبر بأنه أراد أن لا يحرج أمته،