دلّ على أن جمعه كان في غير حال المطر، وغيرُ جائز دفع يقين ابن عباس -مع حضوره- بشكّ مالك.
فإن قال قائل: فإن ابن عمر وغيره ممن ذكرنا قد جمعوا في حال المطر، قيل: إذا ثبتت الرخصة في الجمع بين الصلاتين، جمع بينهما للمطر، والريح، والظلمة، ولغير ذلك من الأمراض، وسائر العلل، وأحقّ الناس بأن يَقْبَلَ ما قاله ابن عباس بغير شك مَنْ جَعَلَ قولَ ابن عباس لَمَّا ذَكَرَ "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن بيع الطعام حتى يُقْبَضَ"، فقال ابن عباس: وأحْسِبُ كلَّ شيء مثلَهُ، حجةً بَنَى عليها المسائل، فمن استعمل شكّ ابن عباس، وبنى عليه المسائل، وامتنع أن يقبل يقينه لَمَّا أخبر أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أراد أن لا يحرج أمته، بعيد من الإنصاف. انتهى كلام ابن المنذر بتغيير يسير (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- تحقيق نفيسٌ جدًّا لمن أنصف واعتدل، واستعمل الأدلة على وجهها، ولم يتجمّد على التقليد المحض، فإن الأحاديث المذكورة في الباب واضحة في ذلك، وتأويلها بما يُخرجها عن ظواهرها إجحاف بها، وتعسّف، فتبصّر.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرحه": هذه الروايات الثابتة في مسلم كما تراها، وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب، وقد قال الترمذيّ في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، وهذا الذي قاله الترمذيّ في حديث شارب الخمر هو كما قاله، فهو حديث منسوخٌ، دلَّ الإجماع على نسخه.
وأما حديث ابن عباس فلم يُجمِعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال:
منهم من تأوّله على أنه جَمَع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين، وهو ضعيف بالرواية الأخرى:"من غير خوف ولا مطر".
ومنهم من تأوّله على أنه كان في غيم، فصلى الظهر، ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر دخل فصلّاها، وهذا أيضًا باطل؛ لأنه وإن كان فيه أدنى