احتمال في الظهر والعصر، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.
ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها، فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها، فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضًا ضعيف أو باطل؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفةً لا تُحْتَمَلُ، وفِعْلُ ابن عباس الذي ذكرناه حين خَطَب، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله، وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في ردّ هذا التأويل.
ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه، مما هو في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل، والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابيّ، والمتوليّ، والرويانيّ من أصحابنا، وهو المختار في تأويله؛ لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس، وموافقة أبي هريرة -رضي اللَّه عنهم-، ولأن المشقة فيه أشدّ من المطر.
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر؛ للحاجة لمن لا يتخذه عادةً، وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابيّ عن القفال، والشاشيّ الكبير من أصحاب الشافعيّ عن أبي إسحاق المروزيّ، عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أراد أن لا يحرج أمته، فلم يعللَّه بمرض ولا غيره. انتهى كلام النووى -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لقد أنصف النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وأجاد في هذا التحقيق، مع مخالفته لمذهبه، وهكذا ينبغي لكلّ مسلم أن يحرص على العمل بما اقتضاه الدليل، وإن خالف مذهبه، أو خالفه جلّ الناس؛ لأن الأدلة هي المرجع والمفزع عند الاختلاف، قال اللَّه عزّ وجلّ:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: ٥٩]، ولأن اللَّه تعالى قد ضمن الهداية والفلاح في اتّباع النصوص، فقال تعالى:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨]، وقال:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} الآية [النور: ٥٤]، وقال:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧].