سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.
قال البيهقيّ: وكان قرة أراد حديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، فهذا لفظ حديثه، ورَوَى سعيد بن جبير الحديثين جميعًا، فسمع قرة أحدهما، ومن تقدم ذكره الآخرَ، قال: وهذا أشبه، فقد روى قرة حديث أبي الطفيل أيضًا.
قلت: وكذا رواه مسلم، فروى هذا المتن من حديث معاذ، ومن حديث ابن عباس، فإن قرة ثقة حافظ، وقد رَوَى الطحاويّ حديث قرة، عن أبي الزبير، فجعله مثل حديث مالك عن أبي الزبير، حديث أبي الطفيل، وحديثه هذا عن سعيد، فدلَّ ذلك على أن أبا الزبير حدّث بهذا وبهذا.
قال البيهقيّ: ورواه حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، فخالف أبا الزبير في متنه، وذكره من حديث الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف ولا مطر، قيل له: فما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يُحرج أمته، وفى رواية وكيع: قال سعيد: قلت لابن عباس: لِمَ فعل ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: كيلا يحرج أمته، ورواه مسلم في "صحيحه".
قال البيهقيّ: ولم يخرجه البخاريّ، مع كون حبيب بن أبي ثابت من شرطه، ولعله إنما أعرض عنه -واللَّه أعلم- لما فيه من الاختلاف على سعيد بن جبير، قال: ورواية الجماعة عن أبي الزبير أولى أن تكون محفوظةً، فقد رواه عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس بقريب من معنى رواية مالك، عن أبي الزبير.
قلت (١): تقديم رواية أبي الزبير على رواية حبيب بن أبي ثابت لا وجه له، فإن حبيب بن أبي ثابت من رجال "الصحيحين"، فهو أحقّ بالتقديم من أبي
(١) القائل هو شيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللَّهُ-.