الزبير، وأبو الزبير من أفراد مسلم، وأيضًا فأبو الزبير اختُلِف عنه عن سعيد بن جبير في المتن، تارةً يَجعل ذلك في السفر، كما رواه عنه قرة موافقةً لحديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، وتارة يجعل ذلك في المدينة، كما رواه الأكثرون عنه، عن سعيد.
فهذا أبو الزبير قد رُوي عنه ثلاثة أحاديث: حديث أبي الطفيل، عن معاذ في جمع السفر، وحديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله، وحديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس الذي فيه جمع المدينة، ثم قد جعلوا هذا كله صحيحًا؛ لأن أبا الزبير حافظ، فلم لا يكون حديث حبيب بن أبي ثابت أيضًا ثابتًا عن سعيد بن جبير؟ وحبيبٌ أوثق من أبي الزبير، وسائر أحاديث ابن عباس الصحيحة تدلُّ على ما رواه حبيب، فإن الجمع الذي ذكره ابن عباس لم يكن لأجل المطر، وأيضًا فقوله:"بالمدينة" يدل على أنه لم يكن في السفر، فقوله:"جمع بالمدينة في غير خوف ولا مطر"، أولى بأن يقال:"من غير خوف ولا سفر"، ومن قال: أظنه في المطر، فظَنٌّ ظَنَّهُ، ليس هو في الحديث، بل مع حفظ الرواة، فالجمع صحيح، قال:"من غير خوف ولا مطر"، وقال:"ولا سفر"، والجمع الذي ذكره ابن عباس لم يكن بهذا ولا بهذا.
وبهذا استَدَلَّ أحمد به على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى، فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى، وهذا من باب التنبيه بالفعل، فإنه إذا جمع لِيَرْفَع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يُرْفَعَ، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها.
ومما يبيّن أن ابن عباس لم يُرِد الجمع للمطر، وإن كان الجمع للمطر أولى بالجواز، بما (١) رواه مسلم من حديث حماد بن زيد، عن الزُّبير بن الْخِرِّيت، عن عبد اللَّه بن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر، حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال: فجاء رجل من بني تيم، لا يفتُر: الصلاة الصلاة، فقال: أتعلّمني بالسنة؟ لا أُمّ لك، ثم قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب
(١) هكذا نسخة "مجموع الفتاوى"، ولعلّ الصواب إسقاط الباء، فتأمل.