والعشاء، قال عبد اللَّه بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة، فسألته، فصدَّق مقالته.
ورواه مسلم أيضًا من حديث عمران بن حُدَير، عن ابن شقيق، قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: لا أم لك، أتعلمنا بالصلاة؟ وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهذا ابن عباس لم يكن في سفر، ولا في مطر، وقد استَدَلّ بما رواه على ما فعله، فعُلِم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر، ولكن كان ابن عباس في أمر مُهِمّ من أمور المسلمين، يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته، ورأى أنه إن قطعه ونزل، فاتت مصلحته، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر، بل للحاجة تَعْرِض له، كما قال: أراد أن لا يحرج أمته.
ومعلوم أن جمع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعرفة ومزدلفة، لم يكن لخوف، ولا مطر، ولا لسفر أيضًا، فإنه لو كان جمعه للسفر لجمع في الطريق، ولجمع بمكة، كما كان يقصر بها، ولجمع لَمّا خرج من مكة إلى منى، وصلى بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر، ولم يجمع بمنى قبل التعريف، ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى، بل صلى كل صلاة ركعتين، غير المغرب، ويصليها في وقتها، ولا جمعه أيضًا كان للنسك، فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم، فإنه من حينئذ صار محرمًا، فعُلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة، لم يكن لمطر، ولا خوف، ولا لخصوص النسك، ولا لمجرد السفر، فهكذا جمعه بالمدينة الذي رواه ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته، فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا.
قال البيهقيّ: ليس في رواية ابن شقيق، عن ابن عباس من هذين الوجهين الثابتين عنه نفي المطر، ولا نفي السفر، فهو محمول على أحدهما، أو على ما أوّله عمرو بن دينار، وليس في روايتهما ما يمنع ذلك التأويل.
فيقال: يا سبحان اللَّه، ابن عباس كان يخطب بهم بالبصرة، فلم يكن مسافرًا، ولم يكن هناك مطر، وهو ذكر جمعًا يَحتَجّ به على مثل ما فعله، فلو