جوازه، أن يذكر هذا الفعل المطلق دليلًا على ذلك، وأن يقول: أراد بذلك أن لا يحرج أمته، وقد عُلم أن الصلاة في الوقتين، قد شرعت بأحاديث المواقيت، وابن عباس هو ممن روى أحاديث المواقيت، وإمامة جبريل له عند البيت، وقد صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، فإن كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما جمع على هذا الوجه، فأيّ غرابة في هذا المعنى؟ ومعلوم أنه كان قد صلى في اليوم الثاني كلا الصلاتين في آخر الوقت، وقال:"الوقت ما بين هذين"، فصلاته للأولى وحدها في آخر الوقت أولى بالجواز.
وكيف يليق بابن عباس أن يقول: فَعَل ذلك كيلا يحرج أمته، والوقت المشهور هو أوسع، وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه، وكيف يَحتجّ على من أنكر عليه التأخير، لو كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما صلى في الوقت المختص بهذا الفعل، وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها، وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يُغنيه عن هذا.
وإنما قصد ابن عباس بيان جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء؛ ليبيّن أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره، وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة.
ثم ابن عباس قد ثبت عنه في "الصحيح" أنه ذكر الجمع في السفر، وأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر في السفر، إذا كان على ظهر سيره، وقد تقدم ذلك مفصلًا، فعُلِم أن لفظ الجمع في عرفة وعادته إنما هو الجمع في وقت إحداهما، وأما الجمع في الوقتين، فلم يُعْرَف أنه تكلم به، فكيف يَعدل عن عادته التي يتكلم بها إلى ما ليس كذلك؟.
وأيضًا فابن شقيق يقول: حاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدق مقالته، أَتُراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت، وأن العصر لا يجوز تقديمها إلى أول الوقت؟ وهل هذا مما يخفى على أقل الناس علمًا حتى يحيك في صدره منه؟ وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبي هريرة أو غيره، حتى يسأله عنه؟ إن هذا مما تواتر عند المسلمين، وعَلِموا جوازه، وإنما وقعت شبهة لبعضهم في المغرب خاصّةً، وهؤلاء يجوّزون تأخيرها إلى آخر وقتها، فالحديث حجة عليهم كيفما كان،