بالفريضة، وصلاتِهما في مكان واحد بلا فاصل بينهما غير السلام، وهذا كنهيه من صلى الجمعة عن التطوع بعدها في مكانها حتى يتكلم، أو يتقدم.
واستدلُّوا على ما ذهبوا إليه بما رواه الطحاويّ من طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرَّ بعبد اللَّه بن مالك ابن بحينة، وهو منتصب يصلي بين يدي نداء الصبح، فقال:"لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة قبل الظهر وبعدها، واجعلوا بينهما فصلًا". انتهى.
فظهر بهذا الحديث أن الذي كرهه -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن بحينة إنما هو وصله الفريضة بالنافلة في مكان واحد من غير فصل بينهما.
وقالوا أيضًا: إن حديث الباب محمول على أن الرجل صلى ركعتي الفجر مخالطًا للصفّ، فقد رَوَى ابن ماجه من طريق أبي معاوية، عن عاصم، عن عبد اللَّه بن سرجس -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلًا يصلي الركعتين قبل صلاة الغداة، وهو في الصلاة. انتهى.
فإن رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم- إياه لا تتأتى إلا وهو في جانب المسجد في الصف الأول.
وقالوا أيضًا: فيما ذهبنا إليه جمع بين الفضيلتين، فضيلة إدراك السنة وفضيلة إدراك الجماعة.
وقد ثبت عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأبي الدرداء أنهم أَدَّوا سنة الصبح، والإمام في الفريضة، ويبعد أن يكون حديث الباب على إطلاقه، ويفعل على خلافه هؤلاء الصحابة الأجلاء.
وفي هذا كله نظر لا يخفى؛ لأن ظاهر الحديث الإنكار على من دخل في النافلة، والإمام في الفريضة، وحمل الإنكار على عدم الفصل بين النافلة والفريضة بعيد، بل باطلٌ، يُبطله رواية المصنّف هنا بلفظ:"دخل رجل المسجد، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة الصبح، فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . " الحديث، وكذا في رواية البيهقيّ بلفظ:"دخل رجل المسجد، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة الصبح، فصلى ركعتين قبل أن يصل إلى الصف. . . " الحديث، فإنهما ظاهران في أنه صلى النافلة في غير مكان الفريضة، فبطل ما زعموه من أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما أنكر عليه لكونه صلى مخالطًا للصفّ.