للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن أدلته أيضًا ما استدلّ به النسائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فقال: "الرخصة في الجلوس فيه، والخروج منه بغير صلاة"، ثم أورد حديث قصّة كعب بن مالك في تخلّفه عن غزة تبوك، وفيه: "فجئت، فجلست بين يديه" يعني النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد، حيث لم يأمره بالصلاة.

وقال الطحاويّ أيضًا: الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هما عمومان تعارضا؛ الأمر بالصلاة لكل داخل من غير تفصيل، والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، فلا بد من تخصيص أحد العمومين، فذهب جمع إلى تخصيص النهي، وتعميم الأمر، وهو الأصح عند الشافعية، وذهب جمع إلى عكسه، وهو قول الحنفية، والمالكية. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الراجح عندي ما ذهب إليه الشافعية -رحمهم اللَّه تعالى-؛ لما سنحققه، في المسائل -إن شاء اللَّه تعالى-.

وأخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-: "أعطوا المساجد حقها"، قيل له: وما حقها؟ قال: "ركعتين قبل أن تجلس" (٢).

(قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ") صرَّح جماعة بأنه إذا خالف، وجلس لا يُشْرَع له التدارك، وفيه نظر؛ لما رواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه-: أنه دخل المسجد، فقال له النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أركعت ركعتين؟ " قال: لا، قال: "قم فاركعهما"، ترجم عليه ابن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس، ولحديث جابر -رضي اللَّه عنه-: جاء سُلَيْك الغَطَفَانيّ يوم الجمعة، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائم على المنبر، فقعد سُليك قبل أن يصلي، فقال له: "أصليت ركعتين؟ فقال: لا، فقال: "قُم، فاركعهما".

وقال المحب الطبري: يَحْتَمِل أن يقال: وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز، أو يقال: وقتهما قبله أداء، وبعده قضاء، ويَحْتَمِل أن تُحْمَل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل.


(١) "الفتح" ٢/ ١٠٦.
(٢) "الفتح" ٢/ ١٠٦ - ١٠٧.