ذهب الجمهور إلى استحباب ركعتي تحية المسجد، وأن الأمر في ذلك للندب، قال الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "جامعه" -بعد إخراج حديث أبي قتادة المذكور في الباب-: والعمل على هذا الحديث عند أصحابنا، استحبوا إذا دخل الرجل المسجد أن لا يجلس حتى يصلي الركعتين، إلا أن يكون له عذر. انتهى (١).
وذهب بعضهم إلى وجوب ركعتي تحية المسجد، وأن الأمر في ذلك للوجوب، ونسب إلى الظاهرية ما عدا ابن حزم، واستدلوا بحديث أبي قتادة المذكور في الباب، فإنه بصيغة الأمر، والأمر للوجوب، وسيأتي الجواب عنه -إن شاء اللَّه تعالى-.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: نسبة الوجوب إلى الظاهرية، وإن حكاه القاضي عياض، وابن بطال، محل نظر؛ فإن ابن حزم قال في "المحلى" في الردّ على القائلين بوجوب شيء من الصلوات غير الخمس ما نصُّهُ: وأما كون ما عدا ذلك تطوعًا فإجماع من الحاضرين من المخالفين، إلا في الوتر، فإن أبا حنيفة قال: واجب، وقد رُوي عن بعض المتقدمين: أنها فرض. انتهى.
فقد بَيَّنَ ابنُ حزم -وهو أعلم الناس بمذهب الظاهرية- أن القول بعدم وجوب ما عدا الخمس إجماع، إلا ما ذكر في الوتر. فتنبه، واللَّه تعالى أعلم.
واستدلّ الأولون بحديث ضمام بن ثعلبة عند الشيخين، وغيرهما، وفيه: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، قال: هل علي غيرهن؟ قال:"لا، إلا أن تطوع. . . " الحديث.
قال الحافظ أبو بكر ابن خزيمة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": "باب الدليل على أن الأمر بركعتين عند دخول المسجد أمر ندب، وإرشاد، وفضيلة، والدليل على أن الزجر عن الجلوس قبل صلاة ركعتين عند دخول المسجد نهي تأديب، لا نهي تحريم، بل حَضٌّ على الخير، والفضيلة".
قال أبو بكر: خبر طلحة بن عبيد اللَّه: جاء أعرابي إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: ماذا فرض اللَّه علي من الصلاة؟، قال:"الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا"،