ركعتين"، ففيه أنه لم يأمره بالقيام لأداء الركعتين، فيدلُّ على عدم وجوبهما أيضًا.
واستدلُّوا أيضًا بما رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وصححه ابن خزيمة عن عبد اللَّه بن بسر -رضي اللَّه عنه-، قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس، يوم الجمعة، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجلس فقد آذيت"، وزاد أحمد: "اجلس فقد آذيت وآنيت" -يعني تأخرت- فقد أمره بالجلوس، ولم يأمره بالصلاة.
لكن فيه أنه يَحْتَمِل أنه صلى في جانب المسجد قبل التخطي، واللَّه تعالى أعلم.
وقال العلامة العينيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لو قلنا بوجوبهما لحرم على المحدث الحدث الأصغر دخول المسجد حتى يتوضأ، ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه سجودهما عند دخوله. انتهى.
وقال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وجمهور العلماء على عدم الوجوب لهما، ثم اختلفوا، فظاهر مذهب مالك أنهما من النوافل، وقيل: إنهما من السنن، وهذا على اصطلاح المالكية في الفرق بين النوافل والسنن والفضائل، ونقل عن بعض الناس أنهما واجبتان، تمسكًا بالنهي عن الجلوس قبل الركوع، وعلى الرواية الأخرى -التي وردت بصيغة الأمر- يكون التمسك بصيغة الأمر.
ولا شك أن ظاهر الأمر الوجوب، وظاهر النهي التحريم، ومن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى دليل. ولعلهم يفعلون في هذا ما فعلوا في مسألة الوتر، حيث استدلّوا على عدم الوجوب فيه بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خمس صلوات كتبهن اللَّه على العباد"، وقول السائل: هل علي غيرهن؟ قال: "لا إلا أن تطوع"، فحملوا لذلك صيغة الأمر على الندب، لدلالة هذا الحديث على عدم وجوب غير الخمس، إلا أن هذا يشكل عليهم بإيجابهم الصلاة على الميت، تمسكًا بصيغة الأمر. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قوله: فهو محتاج إلى الدليل، أقوى