للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال رجل من العلماء عند عمر بن عبد العزيز رَحِمَهُ اللهُ: الصامت على علم كالمتكلم على علم، فقال عمر: إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالًا، وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه، فقال له: يا أمير المؤمنين، وكيف بفتنة النطق؟ فبكى عمر عند ذلك بكاءً شديدًا.

ولقد خطب عمر بن عبد العزيز يومًا، فَرَقَّ الناس، وبَكَوا، فقطع خطبته، فقيل له: لو أتممت كلامك رجونا أن ينفع الله به، فقال عمر: إن القول فتنة، والفعل أولى بالمؤمن من القول.

وما أحسن ما قال عبيد الله بن أبي جعفر، فقيه أهل مصر في وقته، وكان أحد الحكماء: إذا كان المرء يحدث في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت، وإن كان ساكتًا فأعجبه السكوت فليحدث، وهذا حسنٌ، فإن من كان كذلك كان سكوته وحديثه بمخالفة هواه، وإعجابه بنفسه، ومَن كان كذلك كان جديرًا بتوفيق الله إياه، وتسديده في نطقه وسكوته؛ لأن كلامه وسكوته يكون لله عز وجل.

وفي مراسيل الحسن رَحِمَهُ اللهُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: علامة الطُّهر أن يكون قلب العبد عندي متعلقًا، فإذا كان كذلك لم ينسني على حال، وإذا كان كذلك مننت عليه بالاشتغال بي كيلا ينساني، فإذا نسيني حَرَّكت قلبه، فإن تكلم تكلم لي، وإن سكت سكت لي، فذلك الذي تأتيه المعونة من عندي. خرّجه إبراهيم بن الجنيد.

وبكل حال فالتزام الصمت مطلقًا، واعتقاده قربةً إما مطلقًا، أو في بعض العبادات، كالحج والاعتكاف والصيام منهي عنه.

ورُوِي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن صيام الصمت، وخرّج الإسماعيلي من حديث علي - رضي الله عنه -: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصمت في العكوف، وفي "سنن أبي داود" من حديث عليّ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صُمَات يوم إلى الليل".

وقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لامرأة حَجّت مصمتة: إن هذا لا يَحِلّ، هذا من عمل الجاهلية، وروي عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: صوم الصَّمْت حرام. انتهى ما كتبه ابن رجب رحمه الله تعالى في الجزء الأول من