وحديث حذيفة -رضي اللَّه عنه- قال: صليت مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة. . . الحديث، أخرجه مسلم.
والحاصل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى في بعض الأوقات النوافل جماعةً، فلا يُستبعد حمل قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- هنا:"صليت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" على ظاهره، واللَّه تعالى أعلم.
وأخرج البخاريّ عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: حَفِظت من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرَ ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعةً لا يُدْخَل على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، حدَّثتني حفصة، أنه كان إذا أَذَّن المؤذِّن، وطلع الفجر صلى ركعتين.
(قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ) أي: ركعتين، هذا متمسّك الشافعيُّ في أن السنّة قبل الظهر ركعتان، وهو قول الأكثرين من أصحابه، وعدّ جمع من الشافعيّة الأربع قبل الظهر من الرواتب، كما هو مذهب الحنفيّة، وقد روى البخاريّ في "صحيحه" عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان لا يدع أربعًا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة"، وسيأتي في المسألة الثالثة بيان وجه الجمع بين حديثي ابن عمر وعائشة -رضي اللَّه عنهم- إن شاء اللَّه تعالى-.
(وَبَعْدَهَا) أي: الظهر (سَجْدَتَيْنِ) أي: ركعتين (وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ، فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي بَيْتِهِ) ولفظ البخاريّ: "فأما المغرب والعشاء ففي بيته"، قال في "الفتح": استُدِلَّ به على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد، بخلاف رواتب النهار، وحُكِي ذلك عن مالك، والثوريّ، وفي الاستدلال به لذلك نظر، والظاهر أن ذلك لم يقع عن عَمْدٍ، وإنما كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يتشاغل بالناس في النهار غالبًا، وبالليل يكون في بيته غالبًا.
قال: وتقدم في "الجمعة" من طريق مالك، عن نافع، بلفظ:"وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف"، والحكمة في ذلك أنه كان يبادر إلى الجمعة، ثم ينصرف إلى القائلة، بخلاف الظهر، فإنه كان يُبْرِد بها، وكان يَقِيل قبلها.