[والثاني]: أنه تركه بعدُ في بعض الأوقات؛ لبيان الجواز، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ جدًّا، وسيأتي مزيد التحقيق لبيان اختلاف العلماء في هذه المسألة في المسألة السادسة -إن شاء اللَّه تعالى-، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قال الإمام البخاريُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": "باب من تحدّث بعد الركعتين، ولم يضطجع".
قال في "الفتح": قوله: "باب من تحدّث بعد الركعتين، ولم يضطجع"، أشار بهذه الترجمة إلى أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يداوم عليها، وبذلك احتجّ الأئمة على عدم الوجوب، وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عند أبي داود وغيره على الاستحباب، وفائدة ذلك الراحةُ والنشاط لصلاة الصبح، وعلى هذا فلا يستحب ذلك إلا للمتهجِّد، وبه جزم ابن العربيّ، ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق أن عائشة -رضي اللَّه عنها- كانت تقول:"إن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يضطجع لسنّة، ولكنه كان يدأب ليلته، فيستريح"، في إسناده راوٍ لم يُسَمّ.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: من الغريب كيف ساغ للحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أن يقول:"ويشهد له" مؤيّدًا لرأي ابن العربيّ المخالف لإطلاق حديث الاضطجاع، وقد اعترف نفسه بأنّه حديث لا يصحّ؛ لجهالة بعض رواته، إن لهذا لهو العجب.
قال: وقيل: إن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، وعلى هذا فلا اختصاص، ومن ثَمَّ قال الشافعيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تتأدى السنة بكل ما يَحصُل به الفصل من مشيٍ وكلام وغيره، حكاه البيهقيّ، وقال النوويّ: المختار أنه سنةٌ؛ لظاهر حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وقد قال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- راوي الحديث: إن الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما نُقل عن الشافعيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إن صحّ فهو رأيه، وقد أجاد النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- حيث خالفه، وقرّر ما دلّت عليه السنة الصحيحة.
قال: وأفرط ابن حزم، فقال: يجب على كل أحد، وجعله شرطًا لصحة