وإنما أشهد على رجعتها؛ عملًا بقوله تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية [الطلاق: ٢]، قال الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: أشهدوا على الرجعة إذا عزمتم عليها، كما رواه أبو داود (٢١٨٦)، وابن ماجه (٢٠٢٥) عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنهما- أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة، ثم يقع بها، ولم يُشْهِد على طلاقها، ولا على رجعتها؟، فقال: طَلَّقت لغير سنّة، ورجعت لغير سنة، وأشهد على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تَعُدْ، وقال ابن جريج: كان عطاء يقول: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال: لا يجوز في نكاح، ولا طلاق، ولا رِجَاع إلا شاهدا عدل، كما قال اللَّه -عزَّ وجلَّ- إلا أن يكون من عذر. انتهى (١).
(فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ) أي: أتى سعد بن هشام إلى ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- (فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) -رضي اللَّه عنهما- (الأ) أداة عرض وتحضيض (أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ) وفي رواية أَبي داود: "على أعلم الناس"، وأشار في هامش بعض النسخ إلى أنه وقع أيضًا بعض نسخ مسلم، واللَّه تعالى أعلم.
(بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟) فيه أنه يستحبّ للعالم إذا سئل عن شيء، ويَعْرِف أن غيره أعلم به منه أن يرشد السائل إليه، فإن الدين النصيحة، ويتضمّن مع ذلك الإنصاف، والاعتراف بالفضل لأهله، والتواضع.
(قَالَ) سعد (مَنْ؟) استفهاميّة؛ أي: من هو أعلم أهل الأرض بوتره -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ (قَالَ) ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- (عَائِشَةُ) خبر لمحذوف؛ لدلالة السؤال عليه، كما قال في "الخلاصة":
وإنما كانت عائشة -رضي اللَّه عنها- أعلم بذلك؛ لأن الوتر صلاة ليليّة، تؤدّى في البيت، وأمهات المؤمنين -رضي اللَّه عنهنّ- أعلم بذلك، وأَولاهنّ به عائشة -رضي اللَّه عنها-، لشدة حرصها على حفظ آثار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان يخصّها بما لم يخصّ به غيرها، من نسائه، فقد كان يحبّ الْمُقام عندها كثيرًا، وقد تنازلت لها سودة بنت زَمْعة -رضي اللَّه عنها- عن نَوْبتها، فبذلك كانت أعلم الناس بوتره -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبغير