للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثمّ بيّن سبب عدم قربه منها، فقال: (لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ) أي: تتكلّم، وتتدخّل (فِي) شأن (هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ) أي: الطائفتين، والفرقتين، والمراد تلك الحروب التي جرت بين فرقتي عليّ ومعاوية -رضي اللَّه عنه- (شَيْئًا) أي: شيئًا من القول، أو الفعل المؤيّد لإحداهما (فَأَبَتْ فِيهِمَا) أي: في الطائفتين (إِلَّا مُضِيًّا) أي: إلا أن تذهب إلى مناصرة إحداهما، أو تداوم على ذلك، يقال: مضى الشيءُ يَمضي مُضِيًّا، ومَضَاءً بالفتح والمدّ: ذَهَبَ، ومضيتُ على الأمر مُضِيًّا: داومته، ومَضَى الأمرُ مَضَاءً: نَفَذَ، وأمضيته بالألف: أنفذته (١).

والمعنى: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- امتنعت من قبول نصحي لها، ومضت على وجهها، حتى حصلت وقعة الْجَمَل المشهورة.

(قَالَ) سعد (فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ) أي: حلفت عليه على أن يذهب معي، وفي رواية أبي داود: "فناشدته" (فَجَاءَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ) -رضي اللَّه عنها- (فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا) أي: طلب الإذن بالدخول عليها في بيتها (فَأَذِنَتْ لَنَا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَحَكِيمٌ؟) أي: أأنت حكيم؟ (فَعَرَفَتْهُ، فَقَالَ: نَعَمْ) أي: أنا حكيم (فَقَالَتْ: مَنْ مَعَكَ؟) أي: من هذا الشخص الذي دخل عليّ معك؟ (قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ) أي: هو سعد بن هشام، وفي رواية النسائيّ: "فَقَالَتْ لِحَكِيمٍ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ " (قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ: ابْنُ عَامِرٍ) أي: هو ابنُ عامر (فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ) أي: دعت له بالرحمة، وفي رواية للنسائيّ، من طريق الحسن، عن سعد بن هشام: "قالت: رحم اللَّه أباك" (وَقَالَتْ خَيْرًا) وفي رواية محمد بن بشر، عن سعيد التالية: "قالت: نعم المرءُ كان عامرٌ، أصيب يوم أُحُدٍ"، وفي لفظ: "نعم المرءُ كان، أُصيب مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد".

[تنبيه]: قوله: "نعم المرء كان عامرٌ" هكذا هو في رواية المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- برفعه، وهو الظاهر، ووقع في رواية النسائيّ: "كان عامرًا" بالنصب.

قال أبو البقاء الْعُكبريُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "إعراب الحديث": "المرء" فاعل "نعم"، و"عامرٌ" المخصوص بالمدح، و"كان" يجوز أن تكون زائدة، ويجوز أن تكون


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٧٥.