للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: معنى قوله: "إذا خَشِيَ أحدكم الصبح" أي: وهو في شفع، فلينصرف على وتر، وهذا ينبني على أن الوتر لا يَفْتَقِر إلى نية.

٨ - (ومنها): أنه استُدلّ بقوله: "توتر له ما قد صلى" على أن الركعة الأخيرة هي الوتر، وأن كل ما تقدّمها شفعٌ، وادَّعَى بعض الحنفية أن هذا إنما يُشْرَع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر، فيكتفي بواحدة؛ لقوله: "فإذا خَشِيَ الصبح".

وتُعُقّب بأن في رواية البخاريّ من طريق القاسم بن محمد، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف، فاركع ركعة واحدة توتر لك ما صلّيتَ"، فقد جعله بإرادة الانصراف، لا بخشية طلوع الفجر.

قال في "الفتح": في هذه الرواية دفع لقول من ادَّعَى أن الوتر بواحدة مختصّ بمن خَشِيَ طلوع الفجر؛ لأنه علّقه بإرادة الانصراف، وهو أعمّ من أن يكون لخشية طلوع الفجر، أو غير ذلك. انتهى.

والحاصل أن الإيتار بواحدة جائز مطلقًا، سواء خشي طلوع الفجر أم لا؛ لوضوح الأدلة على ذلك، فتبصّر بالإنصاف.

٩ - (ومنها): أنه استَدَلَّ به من قال بتعيّن الشفع قبل الوتر، وهو عن المالكية؛ بناءً على أن قوله: "ما قد صلى" أي: من النفل، وحملَه من لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعمّ من النفل والفرض، وقالوا: إن سبق الشفع شرط في الكمال، لا في الصحة.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأرجح أن سبق الشفع أفضل، وإلا فالإيتار بركعة واحدة جائزٌ؛ لحديث أبي أيوب -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "الوتر حقٌّ، فمن شاء أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدة"، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبان، والحاكم.

وقد صحّ عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أنهم أوتروا بواحدة، من غير تقدُّم نفل قبلها، ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح، عن السائب بن يزيد، أن عثمان -رضي اللَّه عنه- قرأ القرآن ليلةً في ركعة، لم يُصَلّ غيرها، وفي "كتاب المغازي" من "صحيح البخاريّ" عن عبد اللَّه بن ثعلبة أن سعدًا -رضي اللَّه عنه- أوتر