والحجّ، والجهاد، يُخبر بمثل ذلك إلى أن توفّي -صلوات اللَّه وسلامه عليه- وقَدِمتْ وفودُ العرب بعد فتح مكة، ورجوعه إلى المدينة، وذلك في سنة تسع وعشر، من البادية، ونواحيها، يسألونه عن الفرائض، يخبرهم في كلّ ذلك أن عدد الصلوات المفترَضَات خمس، ووجّه معاذَ بنَ جبل إلى اليمن، وذلك قبل وفاته بقليل، فأمره أن يُخبرهم بأن فرض الصلوات خمس، ثم آخره ما خطب به بذلك في حجة الوداع، فأخبرهم أن عدد الصلوات المفترَضات خمس، لا أكثر من ذلك، وفيها نزلت:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الآية [المائدة: ٣]، ثم لم ينزل بعد ذلك فريضة، ولا حرام، ولا حلال، فرجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمات بعد رجوعه بأقلّ من ثلاثة أشهر، ثم أخبر أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بذلك بعد وفاته، ثم أخبر علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن الوتر ليس بحتم، كالصلوات المكتوبة، ولكنه سنة، وغير جائز أن يكون مثل أبي بكر، وعليّ -رضي اللَّه عنهما- يجهلان فريضة صلاة من الصلوات المفروضات، وهما يحتاجان إليها في كل ليلة، حتى يجحدا فرضها، مَن ظنّ هذا بهما، فقد أساء الظنّ بهما.
قال: وكان أبو حنيفة يوجب الوتر، وخالفه أصحابه في الوتر، فقالوا: هو سنة، وليس بفرض. انتهى كلام محمد بن نصر باختصار -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر، وابن نصر -رحمهما اللَّه تعالى- من كون الوتر سنة من السنن، وليس بواجب، هو الحقّ، كما هو مذهب جمهور أهل العلم -رحمهم اللَّه تعالى-؛ لوضوح حجته.
والحاصل أن الوتر سنة مؤكّدة، وليس بواجب؛ لهذه الأدلة الواضحة، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في وقت الوتر:
قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في أول وقته: فالصحيح في مذهبنا، والمشهور عن الشافعيّ، والأصحاب أنه يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء، ويمتدّ إلى طلوع الفجر الثاني، وفي وجه: يدخل بدخول وقت العشاء، وفي وجه: لا يصحّ الإيتار بركعة إلا بعد نفل بعد العشاء، وفي قول: يمتدّ إلى صلاة الصبح، وقيل: إلى طلوع الشمس. انتهى.