للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه قدّم ذلك، فلعلّه إنما فعله لما رأى من انصراف الناس عن الخطبة، تاركين لسماعها، مستعجلين، أو ليُدرك الصلاة من تأخّر، وبعُد منزله، ومع هذين التأويلين، فلا ينبغي أن تُترك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمثل ذلك، وأولئك الملأ أعلم، وأجلّ من أن يصيروا إلى ذلك. والله أعلم.

وأما مروان، وبنو أميّة، فإنما قدّموا لأنهم كانوا في خُطبهم ينالون من عليّ - رضي الله عنه -، ويُسمعون الناس ذلك، فكان الناس إذا صلَّوا معهم انصرفوا عن سماع خُطبهم لذلك، فلمّا رأى مروان ذلك، أو من شاء الله من بني أميّة قدّموا الخطبة ليُسمِعوا الناس من ذلك ما يَكرهون، والصواب تقديم الصلاة على الخطبة، كما تقدّم، وقد حَكَي بعض علمائنا الإجماع. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).

(فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ) قال صاحب "التنبيه": هذا الرجل لا أعرفه (٢).

وقال النوويّ رحمه الله تعالى: قد يقال: كيف تأخر أبو سعيد - رضي الله عنه -، عن إنكار هذا المنكر، حتى سبقه إليه هذا الرجل؟ وجوابه أنه يحتمل أن أبا سعيد، لم يكن حاضرًا أوّلَ ما شَرَع مروان في أسباب تقديم الخطبة، فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد، وهما في الكلام.

ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضرًا من الأول، ولكنه خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة، بسبب إنكاره، فسقط عنه الإنكار، ولم يَخَفْ ذلك الرجل شيئًا؛ لاعتضاده بظهور عشيرته، أو غير ذلك، أو أنه خاف، وخاطر بنفسه، وذلك جائز في مثل هذا، بل مستحب. ويحتمل أن أبا سعيد هَمَّ بالإنكار، فبدره الرجل، فعضده أبو سعيد، والله أعلم. ثم إنه جاء في الحديث الآخر، الذي اتفق البخاري ومسلم رحمهما الله على إخراجه، في "باب صلاة العيد" أن أبا سعيد - رضي الله عنه - هو الذي جذب بيد مروان، حين رآه يصعد المنبر، وكانا جاءا معًا، فردّ عليه مروان بمثل ما ردّ هنا على الرجل، فيحتمل أنهما قضيتان: إحداهما لأبي سعيد، والأخرى للرجل، بحضرة أبي سعيد، والله أعلم.


(١) "المفهم" ١/ ٢٣١ - ٢٣٢.
(٢) "تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم" ص ٥٧.