ذلك تكون النيّة خالصةً، والرغبة إلى اللَّه تعالى وافرةً، وذلك مظنّة القبول والإجابة.
٦ - (ومنها): أن فيه تفضيلَ صلاة آخر الليل على أوله، وتفضيل تأخير الوتر، لكن ذلك في حقّ من طَمِعَ أن ينتبه، كما سبق في حديث جابر -رضي اللَّه عنه- قبل بابين.
٧ - (ومنها): أن آخر الليل أفضل للدعاء، والاستغفار، ويشهد له قوله تعالى:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: ١٧]، وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب، ويدلّ لها ما أخرجه الترمذيّ بسند صحيح، عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- قال: قيل: يا رسول اللَّه أيُّ الدعاء أسمع؟ قال:"جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات".
ولا يُعْتَرض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين؛ لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء، كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس، أو تحصل الإجابة، ويتأخّر وجود المطلوب؛ لمصلحة العبد، أو لأمر يريده اللَّه.
والحاصل أن الإجابة ليس معناها أن يُعطَى الداعي عين ما سأله، وإنما معناها أن يُعطيه اللَّه تعالى ما هو أصلح له في الدنيا والآخرة، سواء كان عين ما سأل، أو خيرًا من ذلك، من جلب نفع، أو دفع ضُرّ، ويدلّ على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد، والترمذيّ، عن جُبير بن نُفير، أن عبادة بن الصامت حدثهم، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"ما على الأرض مسلم، يدعو اللَّه بدعوة، إلا آتاه اللَّه إياها، أو صَرَف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم"، فقال رجل من القوم: إذًا نكثرُ، قال:"اللَّه أكثر"، قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح غريب.
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح، عن أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعَجَّل له دعوته، وإما أن يَدَّخِرها له في الآخرة، وإما أن يَصْرِف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذًا نكثرُ، قال:"اللَّه أكثر".