وخلاصة القول: أن الأدب للعبد أن يسأل ربّه، موقنًا بالإجابة، ثم يرضى بما يختار له من نوع الإجابة؛ لأنه عزَّ وجلَّ أعلم بمصالح عباده، فقد يكون ما سأله مما يعود ضرره عليه، إما في دينه، أو دنياه؛ لأنه لا يعلم شيئًا من مصالح الدنيا والآخرة، وإنما عِلم ذلك إلى اللَّه تعالى وحده، قال اللَّه تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: ٢١٦]، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في إتمام ما سبق من البحث في مسألة النزول، ولنذكر ما حقّقه الإمام الحافظ المحقّق أبو عمر بن عبد البرُّ في كتابه "التمهيد"، فإن فيه الكفاية:
قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث:"ينزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا"، فقد أكثر الثاس التنازع فيه، والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة، أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويُصَدِّقون بهذا الحديث، ولا يُكَيِّفون، والقول في كيفية النزول، كالقول في كيفية الاستواء، والمجيء، والحجةُ في ذلك واحدة.
وقد قال قوم من أهل الأثر أيضًا: إنه ينزل أمره، وتنزل رحمته، ورُوي ذلك عن حبيب، كاتب مالك وغيره، وأنكره منهم آخرون، وقالوا: هذا ليس بشيء؛ لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبدًا، في الليل والنهار، وتعالى الملك الجبار الذي إذا أراد أمرًا قال له: كن فيكون، في أيّ وقت شاء، ويختص برحمته من يشاء متى شاء، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
وقد رَوَى محمد بن علي الجبليّ، وكان من ثقات المسلمين بالقيروان، قال: حدّثنا جامع بن سوادة بمصر، قال: حدّثنا مطرِّف، عن مالك بن أنس، أنه سئل عن الحديث:"إن اللَّه ينزل في الليل إلى سماء الدنيا"، فقال مالك: يتنزل أمره، وقد يَحْتَمِل أن يكون كما قال مالك، على معنى أنه تتنزل رحمته، وقضاؤه بالعفو والاستجابة، وذلك من أمره؛ أي: أكثر ما يكون ذلك في ذلك الوقت، واللَّه أعلم، ولذلك ما جاء فيه الترغيب في الدعاء.
وقد رُوي من حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه- أنه قال: يا رسول اللَّه؛ أي الليل أسمع؟ قال:"جوف الليل الغابر"، يعني الآخر، وهذا على معنى ما ذكرنا،