ويكون ذلك الوقت مندوبًا فيه إلى الدعاء، كما نُدِب إلى الدعاء عند الزوال، وعند النداء، وعند نزول غيث السماء، وما كان مثله من الساعات المستجاب فيها الدعاء، واللَّه أعلم.
وقال آخرون: ينزل بذاته، ثم أخرج بسنده عن نعيم بن حماد قال: حديث النزول يردّ على الجهمية قولهم، قال: وقال نعيم: ينزل بذاته، وهو على كرسيه، قال أبو عمر: ليس هذا بشيء عند أهل الفهم، من أهل السنة؛ لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها؛ لأنها لا تصلح إلا فيما يُحاط به عيانًا، وقد جلّ اللَّه وتعالى عن ذلك، وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر، ولا خبر في صفات اللَّه إلا ما وصف نفسه به في كتابه، أو على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه، أو قياس، أو تمثيل، أو تنظير، فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قال أبو عمر: أهل السنة مُجمِعون على الإقرار بالصفات الواردة كلِّها في القرآن والسنة، والإيمانِ بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز، إلا أنهم لا يُكَيَّفون شيئًا من ذلك، ولا يَحُدُّون فيه صفةً محصورةً، وأما أهل البدع، والجهمية، والمعتزلة كلُّها، والخوارج، فكلهم ينكرها، ولا يَحْمِل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مُشَبِّهٌ، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحقُّ فيما قاله القائلون بما نَطَقَ به كتاب اللَّه تعالى، وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم أئمة الجماعة، والحمد للَّه.
رَوَى حرملة بن يحيى، قال: سمعت عبد اللَّه بن وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: مَن وصف شيئًا من ذات اللَّه مثل قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}[المائدة: ٦٤]، وأشار بيده إلى عنقه، ومثل قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١]، فأشار إلى عينيه، أو أذنه، أو شيئًا من بدنه قُطِعَ ذلك منه؛ لأنه شَبَّهَ اللَّه تعالى بنفسه، ثم قال مالك: أما سمعت قول البراء -رضي اللَّه عنه- حين حَدَّث أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لا يُضَحَّى بأربع من الضحايا"، وأشار البراء -رضي اللَّه عنه- بيده، كما أشار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده، قال البراء: ويدي أقصر من يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكره البراء -رضي اللَّه عنه- أن يصف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إجلالًا له، وهو مخلوق، فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء؟.