للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المفروضة، وإنما عبر بالمكتوبة للتفنن في العبارة، فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة، ولاتباع قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣].

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: والصلاة في اللغة: الدعاء، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٣]: أي ادع، وقال الأعشى [من البسيط]:

عَلَيْكِ مِثْلَ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي … نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا

وقيل: إنها مأخوذة من الصَّلَا، والصلا: عِرْقٌ عند أصل الذَّنْب، ومنه قيل للفرس الثاني في الْحَلْبَة: مصَلٍّ؛ لأن رأسه عند صَلا السابق، قال الشاعر [من المتقارب]:

فَصَلَّى أَبُوهُ لَهُ سَابِقُ … بِأَنْ قِيلَ فَاتَ الْعِذَارُ الْعِذَارَا (١)

والأول أولى وأشهر، وهي في الشرع: أفعال مخصوصةٌ، بشروط مخصوصة، الدعاء جزء منها. انتهى.

وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: إقامة الصلاة: تعديل أركانها وإدامتها، والصلاة فَعَلَةٌ، من صَلّى: بمعنى دعا، أو حرّك الصّلَوين (٢)؛ لأن المصلّي يُحرّكهما في ركوعه وسجوده، كالزكاة من زَكَى: بمعنى نما، أو طهر، فإن المال يزيد بأداء الزكاة، ويطهر به، وكالصوم، من صام: إذا أمسك، والحجّ، من حجّ: إذا قصد البيت. انتهى (٣).

(وَتُؤْتِي) أي تعطي (الزَّكَاةَ) وعبّر بالإيتاء إشارةً إلى أنه لا بدّ من التمليك، زاد في رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتية: "المفروضة". قال القرطبيّ: الزكاة لغة: هي النماء، والزيادة، يقال: زكا الزرع والمالُ، وسُمّي أخذ جزء من مال المسلم الحر زكاةً؛ لأنَّها إنما تؤخذ من الأموال النامية، أو لأنَّها قد نمت، وبلغت النصاب، أو لأنَّها تنمي المال بالبركة، وحسنات مؤديها بالتكثير. انتهى.


(١) "العذار": هو ما سال على خدّ الفرس من اللجام.
(٢) الصلوين: مثنى صَلا، وهما ما يكون عن يمين الذّنَب وشماله.
(٣) "الكاشف" ٢/ ٤٢٤.