للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسَّس، ويُقدِم على الكشف، والبحث حَذَرًا من فوات ما لا يُستدْرَكُ، وكذا لو عَرَف ذلك غير المحتسِب من المتطوعة، جاز لهم الإقدام على الكشف، والإنكار.

[الضرب الثاني]: ما قَصُر عن هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه، ولا كشف الأستار عنه، فإن سَمِع أصوات الملاهي المنكرة من دار، أنكرها خارج الدار، لم يَهُجم عليها بالدخول، لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن.

وقد ذكر الماوردي في آخر "الأحكام السلطانية" بابًا حسنًا في الحسبة، مشتملًا على جُمَل من قواعد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقد أشرنا هنا إلى مقاصده، وبسطت الكلام في هذا الباب؛ لعظم فائدته، وكثرة الحاجة إليه، وكونه من أعظم قواعد الإسلام، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى (١)، وهو كلام نفيسٌ جدًّا، ولنفاسته نقلته برمّته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وقد شرح الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى هذا الحديث شرحًا واسعًا استوعب فيه فوائد جمّة، وقواعد مهمّة، وإن كان كثير منها سبق في كلام النوويّ، والقرطبيّ، وغيرهما، إلا أن تحقيقات ابن رجب رحمه الله تعالى مما لا يخفى على اللبيب حسنها، وغزارتها، ولذلك أحببت إيرادها هنا؛ لأن الكتاب موضوع لاستيفاء ما يمكن إدخاله في شرح أحاديث الكتاب، إذ أصل وضعه لذلك؛ لأن "صحيح مسلم" قد سبق له شروح كثيرة، إلا أنه لم يقع له شرح جامع يحتوي على فوائده الإسناديّة، والمتنيّة، فقمت بقدر طاقتي لسدّ هذا الباب - بعون الله تعالى، وحسن توفيقه، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} -.

قال رحمه الله تعالى في كتابه "جامع العلوم والحكم" (١/ ٣١٩):

هذا الحديث خرّجه مسلم، من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن


(١) "شرح صحيح مسلم" ٢/ ٢١ - ٢٦.