للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الوجه، وقال آخرون: ما أقبل على الوجه فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس، وقال الشافعيّ، والجمهور: هما عضوان مستقلان، لا من الرأس ولا من الوجه، بل يُطَهَّران بماء مستقل، ومسحهما سنةٌ، خلافًا للشيعة.

وأجاب الجمهور عن احتجاج الزهريّ بجوابين:

أحدهما: أن المراد بالوجه جملة الذات، كقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، ويؤيد هذا أن السجود يقع بأعضاء أُخَرَ مع الوجه.

والثاني: أن الشيء يضاف إلى ما يجاوره، كما يقال: بساتين البلد، واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: مسألة هل الرأس من الوجه، أم لا؟ قد استوفيت بحثها في "شرح النسائيّ"، ورجّحت مذهب من يقول: إنهما من الرأس؛ لقوّة أدلّته، فراجعه (٢) تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

٤ - (ومنها): أن فيه استحبابَ دعاء الافتتاح بما في هذا الحديث، إلا أن يكون إمامًا لقوم لا يؤثرون التطويل.

٥ - (ومنها): أن فيه استحبابَ الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام.

٦ - (ومنها): بيان أن الشرّ لا يضاف إلى اللَّه، وقد تقدّم اختلاف العلماء في معناه، وقد أجاد الإمام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-، حيث قال في كتابه "شفاء العليل" في الباب الحادي والعشرين في تنزيه القضاء الإلهي عن الشرّ في الكلام على آية: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} الآية [آل عمران: ٢٦] ما نصّه: فتناولت الآية ملكه وحده، وتصرفه، وعموم قدرته، وتضمنت أن هذه التصرفات كلها بيده، وأنها كلها خير، فسَلْبُهُ الملكَ عمن يشاء، وإذلاله من يشاء خير، وإن كان شرًّا بالنسبة إلى المسلوب الذليل، فإن هذا التصرف دائر بين العدل والفضل والحكمة والمصلحة، لا تخرج عن ذلك، وهذا كله خير، يُحْمَد عليه الربّ، ويُثْنَى عليه به، كما يُحْمَد ويُثْنَى عليه بتنزيهه عن الشرّ، وأنه ليس إليه كما ثبت في "صحيح


(١) "شرح النوويّ" ٦/ ٦٠.
(٢) راجع: "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" ٢/ ٣٦٦ - ٣٨١.