(عَنْ حُذَيْفَةَ) -رضي اللَّه عنه- أنه (قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ) أي: ليلةً من الليالي (فَافْتَتَحَ "الْبَقَرَةَ") أي: ابتدأ بقراءة سورة البقرة بعد الفاتحة، وإنما لم يذكرها؛ لكونها معروفة (فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ) وفي نسخة: "يصلي بها ركعةً" بحذف "في"، ومعناه: ظننت أنه يصلّي بها، فيقسمها على ركعتين، وأراد بالركعة الصلاة بكاملها، وهي ركعتان، ولا بدّ من هذا التأويل، فينتظم الكلام بعده، وعلى هذا فقوله:"ثم مضى" معناه: قرأ معظمها بحيث غَلَب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة، فحينئذ قلت: يركع الركعة الأولى بها، فجاوز، وافتتح النساء، قاله النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
(فَمَضَى) أي: استمرّ في قراءته (فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا) أي: ظننت أنه يركع عند آخر "سورة البقرة" (ثُمَّ افْتَتَحَ "النِّسَاءَ") أي: ثم استمرّ بعد أن ختم "البقرة"، فبدأ بقراءة "سورة النساء"(فَقَرَأَهَا) أي: قرأ كل السورة (ثُمَّ افْتَتَحَ "آلَ عِمْرَانَ"، فَقَرَأَهَا) أي: كلها.
قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليل لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين، حين كتبوا المصحف، وإنه لم يكن ذلك من ترتيب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل وَكَلَهُ إلى أمته بعده، قال: وهذا قول مالك، وجمهور العلماء، واختاره القاضي أبو بكر الباقلانيّ، قال ابن الباقلانيّ: هو أصحّ القولين، مع احتمالهما، قال: والذي نقوله: إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة، ولا في الصلاة، ولا في الدرس، ولا في التلقين والتعليم، وإنه لم يكن من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك نصّ، ولا حدّ تحرم مخالفته، ولذلك اختَلَفَ ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان -رضي اللَّه عنه-، قال: واستجاز النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين.
قال: وأما على قول من يقول من أهل العلم: إن ذلك بتوقيف من