للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حدَّده لهم، كما استقر في مصحف عثمان -رضي اللَّه عنه-، وإنما اختَلَفت المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف، والعرض الأخير، فيُتَأَوَّل قراءته -صلى اللَّه عليه وسلم- "النساء" أوّلًا، ثم "آل عمران" هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب، وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أُبَيّ -رضي اللَّه عنه-، قال: ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، وإنما يكره ذلك في ركعة، ولمن يتلو في غير صلاة، قال: وقد أباحه بعضهم، وتَأوَّل نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسًا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها، قال: ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من اللَّه تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف، وهكذا نقلته الأمة عن نبيها -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى كلام القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي يترجّح عندي قول من قال: إن ترتيب السور على ما هي عليه الآن كان بتوقيف من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي العرضة الأخيرة التي عرضها -صلى اللَّه عليه وسلم- على جبريل عليه السلام، كما هو المجمع عليه في ترتيب الآيات، فلا فرق بينهما في ذلك، وأما ما ثبت من قراءته -صلى اللَّه عليه وسلم- "النساء" قبل "آل عمران"، ونحو ذلك فيُحمَلُ على بيان الجواز، وأن الترتيب في القراءة غير لازم، بل في الرسم والكتابة فقط، فيجوز أن يقرأ بالسورة قبل التي قبلها في الرسم.

ويَحتَمِلُ أن يكون ذلك قبل أن يوحى إليه بترتيبها على ما هي عليه الآن، وأما اختلاف مصاحف الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في ترتيبها، فيُحمَل على عدم وصول العلم إليهم بتوقيف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالترتيب، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا) أي: مترفِّقًا متمهِّلًا، من قولهم: على رِسْلِكَ؛ أي: على رِفْقِكَ، قال القرطبيُّ: هذا التطويل، وهذه الكيفيّة التي صدرت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه الصلاة إنما كان منه بحسب وقت صادفه، ووجْدٍ وَجَده، فاستطاب ما كان فيه، واستغرقه عما سواه، وهو موافقٌ لما قاله في حديث آخر: "إذا أمّ أحدكم فليُخفّف، وإذا صلّى وحده فليطوّل ما شاء" (١). انتهى (٢).


(١) متّفقٌ عليه.
(٢) "المفهم" ٢/ ٤٠٥.