للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يذكر اللَّه، أو يتطهّر، فإن الصلاة تجزئه في حلّ الْعُقَد كلّها؛ لأنها تستلزم الطهارة، وتتضمّن الذكر، وعلى هذا فيكون معنى قوله: "فإذا صلى انحَلَّت عُقَدُهُ كلُّها" إن كان المراد به من لا يحتاج إلى الوضوء فظاهر على ما قررناه، وإن كان من يحتاج إليه، فالمعنى انحلَّت بكلٍّ عقدةٌ، أو انحلت عقده كلُّها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العُقَد.

وفي رواية أحمد: "فإن قام فذكر اللَّه انحلت واحدة، فإن قام فتوضأ أُطلقت الثانية، فإن صلى أُطلقت الثالثة"، وهذا محمول على الغالب، وهو من ينام مضطجعًا، فيحتاج إلى تجديد الطهارة عند استيقاظه، فيكون لكل فعلٍ عقدةٌ يحُلُّها. انتهى.

(فَأَصْبَحَ) أي: دخل في الصباح، أو صار (نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ) أي: لسروره بما وفّقه اللَّه تعالى له من الطاعة، مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره، وبما وَعَده من الثواب، وبما زال عنه من عُقَد الشيطان، قاله النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الحافظ: كذا قيل، والذي يظهر أن في صلاة الليل سرًّا في طيب النفس، وإن لم يستحضر المصلي شيئًا مما ذُكِر وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦)} [المزمل: ٦]، وقد استنبط بعضهم منه أن من فعل ذلك مرّةً، ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعَقْد المذكور ثانيًا.

واستثنى بعضهم ممن يقوم، ويذكر، ويتوضأ، ويصلي من لم ينهه ذلك عن الفحشاء، بل يفعل ذلك من غير أن يُقلع، والذي يظهر فيه التفصيل بين من يفعل ذلك مع الندم والتوبة والعزم على الإقلاع، وبين الْمُصِرّ. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو بحثٌ نفيسٌ.

وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فأصبح نشيطًا طيّب النفس" مُثّلت حالة من لم يتكاسل، ولم ينم عن وظائفه التي تُسرع به إلى مقام الزُّلْفَى، وتُنشّطه لاكتساب السعادة الْعُظمى، فكلما همّت النفس اللوّامة بالسلوك تداركها التوفيق بالخلاص من نفث الشيطان في عُقَد النفس الأمارة بالسوء، فتُصبح مطمئنّةً نشيطةَ القلب، طيّبة النفس ظاهرًا في سيمائها أثرُ السجود بحالة من أسره العدوّ، وشدّ على قفاه برِبْقة الأسر عُقْدة بعد عقدة استيثاقًا، وهو يتحرّى الخلاص منه بلطائف