للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال في "الفتح": ومقتضى قوله: "وإلا أصبح" أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثًا كسلان، وإن أتى ببعضها، وهو كذلك، لكن يَختلف ذلك بالموّة والخفّة، فمن ذكر اللَّه مثلًا كان في ذلك أخفّ ممن لم يذكر أصلًا، وفي حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه-: "فإن قام فصلى انحلّت العُقَد كلهنّ، وإن استيقظ، ولم يتوضأ، ولم يصلّ أصبحت العقد كلها كهيئتها".

وقال ابن عبد البرُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الذمّ يختصّ بمن لم يَقُم إلى صلاته وضيّعها، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة، أو إلى النافلة بالليل، فغلبته عينه، فنام، فقد ثبت أن اللَّه يكتب له أجر صلاته، ونومُهُ عليه صدقة.

وقال أيضًا: زعم قوم أن هذا الحديث يعارض قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقولنّ أحدكم خبُثت نفسي"، وليس كذلك؛ لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة لتلك الكلمة، وهذا الحديث وقع ذمًّا لفعله، ولكلّ من الحديثين وجه.

وقال الباجيّ: ليس بين الحديثين اختلاف؛ لأنه نَهَى عن إضافة ذلك إلى النفس؛ لكون الخبث بمعنى فساد الدين، ووَصَفَ بعضَ الأفعال بذلك تحذيرًا منها وتنفيرًا.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تقرير الإشكال أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن إضافة ذلك إلى النفس، فكل ما نُهي المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نُهي أن يضيفه إلى أخيه المؤمن، وقد وَصَفَ -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا المرء بهذه الصفة، فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التأسي، ويحصل الانفصال فيما يظهر بأن النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك، كالتنفير والتحذير.

[تنبيه]: ذكر الحافظ أبو الفضل العراقيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح الترمذيّ" أن السرّ في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين المبادرةُ إلى حلّ عُقَد الشيطان، وبناه على أن الحلّ لا يتمّ إلا بتمام الصلاة، وهو واضح؛ لأنه لو شرع في صلاة، ثم أفسدها لم يساو من أتمّها، وكذا الوضوء، وكأن الشروع في حلّ العقد يحصل بالشروع في العبادة، وينتهي بانتهائها.