أخرجه من طريق أبي سلمة، ومن طريق عبد اللَّه بن شقيق جميعًا، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها سئلت عن صيام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت:"كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر"، وأخرج نحوه البخاريّ من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنها-، ومن حديث أنس -رضي اللَّه عنه-.
ويمكن الجمع بينهما بأن قولها:"كان عمله ديمة" معناه: أن اختلاف حاله في الإكثار من الصوم، ثم من الفطر كان مُستدامًا مستمِرًّا، وبأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يوظف على نفسه العبادة، فربما شغله عن بعضها شاغل، فيقضيها على التوالي، فيشتبه الحال على من يرى ذلك، فقول عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان عمله ديمة" مُنَزَّلٌ على التوظيف، وقولها:"كان يصوم حتى نقول: قد صام. . . إلخ" مُنَزَّل على الحال الثاني.
وقيل: معناه أنه كان لا يقصد نفلًا ابتداءً في يوم بعينه فيصومه، بل إذا صام يومًا بعينه كالخميس مثلًا داوم على صومه (١)، والجمع الأول أوضح، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]: قال ابن التين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: استَدَلَّ بعضهم بحديث عائشة هذا على كراهة تحري صيام يوم من الأسبوع.
وأجاب الزين ابن الْمُنَيِّر بأن السائل في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أيامًا، وأما ما ورد تخصيصه من الأيام بالصيام، فإنما خُصِّص لأمر لا يشاركه فيه بقية الأيام، كيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وأيام البيض، وجميع ما عُيّن لمعنى خاصّ، وإنما سأل عن تخصيص يوم؛ لكونه مثلًا يوم السبت.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويُشْكِل على هذا الجواب صوم الاثنين والخميس، فقد وردت فيهما أحاديث صحيحة، منها حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أخرجه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وصححه ابن حبان من طريق رَبِيعة الْجُرَشيّ عنها، ولفظه:"أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتحرى صيام الاثنين والخميس"، وحديث أسامة -رضي اللَّه عنه-: "رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصوم يوم الاثنين والخميس، فسألته،