للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقال: إن الأعمال تُعْرَض يوم الاثنين والخميس، فأُحِبّ أن يُرْفَع عملي، وأنا صائم"، أخرجه النسائيّ، وأبو داود، وصححه ابن خزيمة.

ويُجاب عن هذا الإشكال أن يقال: لعلّ المراد بالأيام المسئول عنها الأيامُ الثلاثةُ من كل شهر، فكأن السائل لَمّا سمع أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصوم ثلاثة أيّام، ورَغَّب في أنها تكون أيام البيض، سأل عائشة -رضي اللَّه عنها-، هل كان يخصها بالبيض؟ فقالت: لا، كان عمله ديمة، تعني لو جعلها البيض لتعينت، وداوم عليها؛ لأنه كان يحب أن يكون عمله دائمًا، لكن أراد التوسعة بعدم تعينها، فكان لا يبالي من أيّ الشهر صامها، فقد رَوَى مسلم من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وما يبالي من أيّ الشهر صام. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هكذا جمع الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأحسن منه ما جمع به القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، حيث قال: جواب عائشة -رضي اللَّه عنها- هذا بقولها: "لا" محمول على غير الصيام؛ لأنه قد ثبت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يخصّ الاثنين والخميس بالصيام، فتعيّن صرف حمله إلى غير ذلك. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي جمع به القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- جمع حسنٌ جدًّا، وحاصله أن جواب عائشة -رضي اللَّه عنها- سؤال علقمة هل كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخصّ شيئًا من الأيام؟ بقولها: "لا، كان عمله ديمة" محمول على غير الصوم؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخصّ بعض الأيام بصوم، كيومي الاثنين والخميس.

ثم وجدت ما يوضّح هذا الجمع، فقد أخرج الحديث أبو عوانة في "مسنده" من طريق أبي النضر، عن شعبة، ولفظه: "سألت عائشة عن صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالت: كانت صلاته ديمة"، فتبيّن بهذا أن السؤال ليس عن عموم أعماله -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل كان عن صلاته فقط، فزال الإشكال من أصله -وللَّه الحمد- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع: "الفتح" ٤/ ٢٧٧ - ٢٧٨ "كتاب الصوم" رقم (١٩٨٧).
(٢) "المفهم" ٢/ ٤١٤.