قال في "الفتح": واختُلِف في متعلق الذم من قوله: "بئس" على أوجه:
[الأول]: قيل: هو على نسبة الإنسان إلى نفسه النسيان، وهو لا صنع له فيه، فإذا نسبه إلى نفسه أوهم أنه انفرد بفعله، فكان ينبغي أن يقول: أنسيت، أو نُسّيت -بالتثقيل- على البناء للمجهول فيهما؛ أي: إن اللَّه هو الذي أنساني، كما قال:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} الآية [الأنفال: ١٧]، وقال: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)} [الواقعة: ٦٤]، وبهذا الوجه جزم ابن بطال، فقال: أراد أن يجري على ألسن العباد نسبة الأفعال إلى خالقها؛ لما في ذلك من الإقرار له بالعبودية، والاستسلام لقدرته، وذلك أولى من نسبة الأفعال إلى مكتسبها مع أن نسبتها إلى مكتسبها جائز بدليل الكتاب والسنة، ثم ذكر الحديث الآتي في [باب نسيان القرآن](١)، قال: وقد أضاف موسى؛ النسيان مرة إلى نفسه، ومرة إلى الشيطان، فقال:{فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}[الكهف: ٦٣]، ولكل إضافة منها معنى صحيح، فالإضافة إلى اللَّه بمعنى أنه خالق الأفعال كلها، وإلى النفس؛ لأن الإنسان هو المكتسب لها، وإلى الشيطان بمعنى الوسوسة. انتهى.
قال الحافظ: ووقع له ذهول فيما نسبه لموسى، وإنما هو كلام فتاه.
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ثبت أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نسب النسيان إلى نفسه -يعني حيث قال حينما سمع رجلًا يقرأ سورة:"يرحمه اللَّه لقد أذكرني آية كذا وكذا، كنت أنسيتها، من سورة كذا وكذا"، وفي رواية الإسماعيلي: نَسِيتها - وكذا نسبه يوشع إلى نفسه حيث قال:{نَسِيتُ الْحُوتَ}[الكهف: ٦٣]، وموسى إلى نفسه حيث قال:{لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}[الكهف: ٧٣]، وقد سيق قول الصحابة:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا}[البقرة: ٢٨٦] مساق المدح، وقال تعالى لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)} [الأعلى: ٦].
فالذي يظهر أن ذلك ليس متعلق الذمّ، وجنح إلى اختيار:
[الوجه الثاني]: وهو كالأول، لكن سبب الذمّ ما فيه من الإشعار بعدم
(١) الظاهر أنه أراد حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المتقدّم: "سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا يقرأ في الليل، فقال: يرحمه اللَّه لقد أذكرني آية كذا وكذا، كنت أُنسيتها" من سورة كذا.