الاعتناء بالقرآن؛ إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد، وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بتلاوته، والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره، فإذا قال الإنسان: نسيت الآية الفلانية، فكأنه شهد على نفسه بالتفريط، فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد؛ لأنه الذي يورث النسيان.
[الوجه الثالث]: قال الإسماعيليّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل أن يكون كره له أن يقول: نسيت بمعنى تركت، لا بمعنى السهو العارض، كما قال تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة: ٦٧]، وهذا اختيار أبي عبيد، وطائفة.
[الوجه الرابع]: قال الإسماعيلي أيضًا: يَحْتَمِل أن يكون فاعل نَسِيتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كأنه قال: لا يقل أحد عني إني نسيت آية كذا، فإن اللَّه هو الذي نسّاني ذلك، لحكمة نسخه، ورفع تلاوته، وليس لي في ذلك صنع، بل اللَّه هو الذي يُنسيني لما تُنسخ تلاوته، وهو كقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٦ - ٧]، فإن المراد بالمنسيّ ما يُنسَخ تلاوته، فيُنسِي اللَّه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يريد نسخ تلاوته.
[الوجه الخامس]: قال الخطابي: يَحْتَمِل أن يكون ذلك خاصًا بزمن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل، ثم ينسخ منه بعد نزوله الشيء، فيذهب رسمه، وترفع تلاوته، ويسقط حفظه عن حملته، فيقول القائل: نسيت آية كذا، فنُهُوا عن ذلك؛ لئلا يتوهم على محكم القرآن الضياع، وأشار لهم إلى أن الذي يقع من ذلك إنما هو بإذن اللَّه لما رآه من الحكمة والمصلحة.
[الوجه السادس]: قال الإسماعيلي: وفيه وجه آخر، وهو أن النسيان الذي هو خلاف الذكر إضافته إلى صاحبه مجاز؛ لأنه عارض له لا عن قصد منه؛ لأنه لو قصد نسيان الشيء لكان ذاكرًا له في حال قصده، فهو كما قال: ما مات فلان، ولكن أميت.
قال الحافظ: هو قريب من الوجه الأول، وأرجح الأوجه الوجه الثاني، ويؤيده عطف الأمر باستذكار القرآن عليه. انتهى ما في "الفتح"(١).