قال الحافظ ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولا حجة في ذلك على تحريمه، ولا يقال: إن كل من لم يتفقه في القرآن فقد ارتكب محرمًا، ومراد الحديث أنه لا يمكن مع قراءته في أقل من ثلاث التفقه فيه، والتدبر لمعانيه، ولا يتسع الزمان لذلك.
وقد روي عن جماعة من السلف قراءة القرآن كله في ركعة واحدة، منهم عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير، وعن عليّ الأزدي وعلقمة قراءته في ليلة واحدة، رواها كلها ابن أبي شيبة في "مصنفه".
وكان الشافعي يختم القرآن في كل يوم وليلة، فإذا كان شهر رمضان ختم في اليوم والليلة مرتين، وكان الأسود يختمه في رمضان في ليلتين، وفي سواه في ست، وكان بعضهم يزيد على ذلك.
قال ابن عبد البر: كان سعيد بن جبير وجماعة يختمون القرآن مرتين وأكثر في ليلة.
وقال النووي: وأكثر ما بلغنا في ذلك عن ابن الكاتب أنه كان يقرأ في اليوم والليلة ثمان ختمات، وأكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة، والترتيل أفضل من العجلة.
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن زيد بن ثابت: لَأَن أقرأ القرآن في شهر أحب إلي من أن أقرأه في خمس عشرة، ولأن أقرأه في خمس عشرة أحب إليّ من أن أقرأه في عشر، ولأن أقرأه في عشر أحب إليّ من أن أقرأه في سبع، أقِفُ، وأدعو. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي الأفضل أن يقرأ القرآن في شهر؛ لما في رواية البخاري أنّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لعبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: "اقرأ القرآن في شهر"، مع أنه يعلم أن له نشاطًا وقوة على القراءة، فلما استزاده، وألحّ عليه قال له:"اقرأه في عشرين"،. . . إلخ. فدلّ على أن الشهر هو الأولى، لكن من وجد قوة ونشاطًا فله أن يزيد على ذلك حتى يصل إلى سبع، والأفضل أن لا يزيد عليها؛ لأنها التي وقف عندها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع إلحاح عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- في طلب الزيادة، وقال له:"ولا تزد على سبع"، فدل على أنه لا أفضل وراءها، ويجوز في ثلاث، ولا يزيد عليها، فإن خير الهدي هدي