بالاستغناء، فلم يرتضه، وقال: لو أراد الاستغناء لقال: لم يستغن، وإنما أراد تحسين الصوت.
قال ابن بطال: وبذلك فسره ابن أبي مليكة، وعبد اللَّه بن المبارك، والنضر بن شُميل، ويؤيده رواية عبد الأعلى، عن معمر، عن ابن شهاب في حديث الباب بلفظ:"ما أَذِنَ لنبي في الترنُّم في القرآن"، أخرجه الطبريّ، وعنده في رواية عبد الرزّاق، عن معمر:"ما أذن لنبيّ حسن الصوت"، وهذا اللفظ عند مسلم من رواية محمد بن إبراهيم التيميّ، عن أبي سلمة، وعند أبي داود، والطحاويّ من رواية عمرو بن دينار، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة:"حسن الترنّم بالقرآن"، قال الطبري:"والترنم" لا يكون إلا بالصوت، إذا حسّنه القارئ، وطَرَّب به، قال: ولو كان معناه: الاستغناء لما كان لذكر الصوت، ولا لذكر الجهر معنى.
وأخرج ابن ماجه، والكجيّ، وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث فَضالة بن عبيد -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"لَلَّهُ أشدُّ أَذَنًا -أي: استماعًا- للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنَة إلى قينته"، و"القينة": المغنية.
وروى ابن أبي شيبة من حديث عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- رفعه:"تعلموا القرآن، وغنُّوا به، وأفشوه"، كذا وقع عنده، والمشهور عند غيره في الحديث:"وتغنوا به"، والمعروف في كلام العرب أن التغني: الترجيع بالصوت، كما قال حسان [من البسيط]:
قال: ولا نعلم في كلام العرب "تغنى" بمعنى استغنى، ولا في أشعارهم، وبيت الأعشى لا حجة فيه؛ لأنه أراد طول الإقامة، ومنه قوله تعالى:{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}[هود: ٦٨]. وقال: بيت المغيرة أيضًا لا حجة فيه؛ لأن التغاني تفاعل بين اثنين، وليس هو بمعنى "تغنى"، قال: وإنما يأتي "تغنى" من الغنى الذي هو ضد الفقر بمعنى تفعّل؛ أي: يظهر خلاف ما عنده، وهذا فاسد المعنى.
قال الحافظ: ويمكن أن يكون بمعنى تكَلَّفه؛ أي: تطلّبه، وحمل نفسه