للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليه، ولو شقّ عليه، كما تقدم قريبًا، ويؤيده حديث: "فإن لم تَبْكُوا، فتباكَوْا". وهو في حديث سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- عند أبي عوانة.

وأما إنكاره أن يكون "تغنى" بمعنى "استغنى" في كلام العرب، فمردود، ومن حَفِظَ حجة على من لم يحفظ، وقد صحّ في حديث الخيل: "ورجلٌ ربطها تَعَفُّفًا وتَغَنِّيًا"، وهذا من الاستغناء بلا ريب، والمراد به: يطلب الغنى بها عن الناس بقرينة قوله: "تعفُّفًا".

وممن أنكر تفسير "يتغنى" بيستغني أيضًا الإسماعيلي، فقال: الاستغناء إليه لا يحتاج إلى استماع؛ لأن الاستماع أمر خاصّ زائد على الاكتفاء به، وأيضًا فالاكتفاء به عن غيره أمر واجب على الجميع، ومن لم يفعل ذلك خرج عن الطاعة، ثم ساق من وجه آخر عن ابن عيينة، قال: يقولون: إذا رفع صوته، فقد تغنى.

قال الحافظ: قلت: الذي نَقَلَ عنه أنه بمعنى استغنى أتقن لحديثه، وقد نقل أبو داود عنه مثله.

ويمكن الجمع بينهما بأن تفسير "يستغني" من جهته، و"يرفع" عن غيره.

وقال عمر بن شبة: ذكرت لأبي عاصم النبيل تفسير ابن عيينة، فقال: لم يصنع شيئًا، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن عُبيد بن عمير، قال: "كان داود -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يتغنى -يعني: حين يقرأ- ويَبكي، ويُبكي". وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: إن داود -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كان يقرأ الزبور بسبعين لحنًا، ويقرأ قراءة يَطرَب منها المحموم، وكان إذا أراد أن يبكي نفسه لم تبق دابة في برّ، ولا بحر إلا أنصتت له، واستمعت، وبكت".

وفي الجملة ما فَسَّرَ به ابن عيينة ليس بمدفوع، وإن كانت ظواهر الأخبار تُرَجِّح أن المراد تحسين الصوت، ويؤيده قوله: "يجهر به"، فإنها إن كانت مرفوعة قامت الحجة، وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره، ولا سيما إذا كان فقيهًا، وقد جزم الحَلِيميّ بأنها من قول أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، والعرب تقول: سمعت فلانًا يتغنى بكذا؛ أي: يجهر به.

وقال أبو عاصم: أخذ بيدي ابنُ جريج، فأوقفني على أشعب، فقال: