غَنِّ ابنَ أخي ما بلغ من طمعك، فذكر قصة، فقوله: غنّ؛ أي: أخبرني جهرًا صريحًا، ومنه قول ذي الرُّمَّة [من الطويل]:
أحِبُّ الْمَكَانَ الْقَفْرَ مِنْ أَجْلِ أَنَّنِي … بِهِ أَتَغَنَّى بِاسْمِهَا غَيْرَ مُعْجِمِ
أي: أجهر، ولا أكني.
والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة، وهو أنه يُحَسّن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزّن، مستغنيًا به عن غيره من الأخبار، طالبًا به غنى النفس، راجيًا به غنى اليد، قال: وقد نظمت ذلك في بيتين:
تَغَنَّ بِالْقُرْآنِ حَسِّنْ بِهِ الصَّوْ … تَ حَزِينًا جَاهِرًا رَنِّمِ
وَاسْتَغْنِ عَنْ كُتُبِ الأُلَى طَالِبا … غِنَى يَدٍ وَالنَّفْسِ ثُمَّ الْزَمِ
انتهى ما في "الفتح" بتصرف يسير.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أرجح الأقوال في معنى: "يتغنى به" في هذا الحديث هو قول من فسّره بتحسين الصوت؛ لكون ظواهر الأخبار تؤيده.
والحاصل أن ما دلت عليه ظواهر الأخبار، وكان واضحًا في استعمال العرب بدون خلاف، وهو كون "يتغنى" بمعنى يحسن صوته، أولى ما يُفَسَّر به هذا الحديث، واللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في بيان اختلاف أهل العلم في القراءة بالألحان:
قال في "الفتح": كان بين السلف اختلاف في جواز قراءة القرآن بالألحان، أما تحسين الصوت، وتقديم حسن الصوت على غيره، فلا نزاع في ذلك.
فَحَكَى عبدُ الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان، وحكاه أبو الطيب الطبريّ، والماورديّ، وابن حمدان الحنبليّ عن جماعة من أهل العلم، وحَكَى ابن بطال، وعياض، والقرطبيّ من المالكية، والماورديّ، والبندنيجيّ، والغزاليّ من الشافعية، وصاحب "الذخيرة" من الحنفية الكراهة، واختاره أبو يعلى، وابن عقيل من الحنابلة.
وحَكَى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز، وهو المنصوص للشافعيّ، ونقله الطحاويّ عن الحنفية.
وقال الفورانيّ من الشافعية في "الإبانة": يجوز، بل يستحب، ومحل هذا