الاختلاف إذا لم يَخْتَلّ شيء من الحروف عن مخرجه، فلو تغير قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "التبيان": أجمعوا على تحريمه، ولفظه:
أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفًا، أو أخفاه حَرُمَ، قال: وأما القراءة بالألحان، فقد نصّ الشافعيّ في موضع على كراهته، وقال في موضع آخر: لا بأس به، فقال أصحابه: ليس على اختلاف قولين، بل على اختلاف حالين، فإن لم يخرج بالألحان عن المنهج القويم جاز، وإلا حرم.
وحَكَى الماورديّ عن الشافعيّ أن القراءة بالألحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخرجها حَرُمَ، وكذا حَكَى ابن حمدان الحنبليّ في "الرعاية".
وقال الغزاليّ، والبندنيجيّ، وصاحب "الذخيرة" من الحنفية: إن لم يُفرِط في التمطيط الذي يشوش النظم استُحِبَّ، وإلا فلا.
وأغرب الرافعيّ، فَحَكَى عن "أمالي السرخسي" أنه لا يضرّ التمطيط مطلقًا، وحكاه ابن حمدان رواية عن الحنابلة، وهذا شذوذ، لا يعرّج عليه.
والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنًا، فليحسّنه ما استطاع، كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح.
ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النَّغَم، فإن الحَسَنَ الصوتِ يزداد حُسْنًا بذلك، وإن خرج عنها أَثَّرَ ذلك في حسنه، وغيرُ الحسن ربما انجبر بمراعاتها، ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يَفِ تحسينُ الصوت بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وُجِد من يراعيهما معًا، فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء، واللَّه أعلم. انتهى ما في "الفتح".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا التفصيل حسنٌ جدًّا، وحاصله أن القراءة بالألحان والأنغام الحسنة بشرط عدم الخروج عن قوانين القراءة مستحبّ؛