للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية أبي عوانة: "رأيت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة، وهو يقرأ سورة الفتح، وهو يُرجّع، والناس حول ناقته، وقال: لولا أن يستمع مني من حولي لرجّعت"، وفي رواية: "لأخذت لكم في ذلك الصوت"، وفي رواية: قال شعبة: "ورجّع أبو إياس، ورفع صوته" (١).

قال في "الفتح": وفي قوله: "آ" بمدّ الهمزة والسكوت دلالة على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُراعي في قراءته المدّ والوقف. انتهى.

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو محمول على إشباع المدّ في موضعه، ويَحْتَمل أن يكون ذلك حكاية صوته عند هزّ الراحلة إذا كان راكبًا من انضغاط صوته، وتقطيعه لأجل هزّ المركوب. انتهى (٢).

قال الحافظ: وهذا فيه نظرٌ؛ لأن في رواية عليّ بن الجعد، عن شعبة، عند الإسماعيليّ: "وهو يقرأ قراءة ليّنةً، فقال: لولا أن يجتمع علينا لقرأت ذلك اللحن"، وكذا أخرجه أبو عُبيدة في "فضائل القرآن" عن أبي النضر، عن شعبة. انتهى (٣).

وقال في موضع آخر: ثم قالوا: يَحْتَمِل أمرين: أحدهما: أن ذلك حَدَثَ من هَزّ الناقة، والآخر أنه أشبع المدّ في موضعه، فحَدَثَ ذلك، وهذا الثاني أشبه بالسياق، فإن في بعض طرقه: "لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن"؛ أي: النغم، وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع، فأخرج الترمذيّ في "الشمائل" والنسائيّ، وابن ماجه، وابن أبي داود، واللفظ له، من حديث أم هانئ -رضي اللَّه عنه-: "كنت أسمع صوت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو يقرأ، وأنا نائمة، على فراشي يُرَجِّع القرآن".

قال: والذي يظهر أن في الترجيع قدرًا زائدًا على الترتيل، فعند ابن أبي داود، من طريق أبي إسحاق، عن علقمة، قال: بِتُّ مع عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- في داره، فنام، ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيّه، لا يرفع صوته، ويُسْمِع مَن حوله، ويُرَتِّل، ولا يرجّع. انتهى.


(١) راجع: "مسند أبي عوانة" ٢/ ٤٧٤.
(٢) "المفهم" ٢/ ٤٢٤.
(٣) "الفتح" ٨/ ٤٤٨ "كتاب التفسير" رقم (٤٨٣٥).