قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "موافق لما في هذا الحديث"، محلّ نظر؛ إذ لا يظهر وجه موافقته، فتأمّل، واللَّه تعالى أعلم.
وقال في "الفتح": قد تَكَرَّر لفظ "السكينة" في القرآن والحديث، فرَوَى الطبري وغيره عن عليّ -رضي اللَّه عنه- قال: هي ريح هَفّافةٌ، لها وجه كوجه الإنسان، وقيل: لها رأسان، وعن مجاهد: لها رأس كرأس الْهِرّ، وعن الربيع بن أنس: لعينها شعاع، وعن السديّ: السكينة طَسْتٌ من ذهب من الجنة، يُغْسَل فيها قلوب الإنبياء، وعن أبي مالك قال: هي التي أَلْقَى فيها موسى الألواح والتوراة والعصا، وعن وهب بن مُنَبِّه: هي روح من اللَّه، وعن الضحاك بن مُزاحم قال: هي الرحمة، وعنه: هي سكون القلب، وهذا اختيار الطبريّ، وقيل: هي الطمأنينة، وقيل: الوقار، وقيل: الملائكة، ذكره الصغانيّ.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والذي يظهر أنها مقولة بالاشتراك على هذه المعاني، فَيُحْمَل كل موضع وردت فيه على ما يليق به، والذي يليق بحديث الباب هو الأول، وليس قول وهب ببعيد.
وأما التي في قوله تعالى:{فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، فيَحْتَمِل قولَ السديّ وأبي مالك. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الصواب تفسير السكينة بالملائكة، كما تقدّم عن القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لأن أولى ما يُفسّر به الغريب ما جاء في رواية أخرى، وهنا صحّ عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في الرواية الآتية:"تلك الملائكة. . . إلخ"، فلا أقرب، ولا أظهر، ولا أولى من حملها عليها، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
(تَنَزَّلَتْ) وللبخاريّ في رواية الكشميهنيّ: "تَنَزَّلُ" بضم اللام، بغير تاء، والأصل تتنزل، وفي رواية الترمذيّ:"نزلت مع القرآن، أو على القرآن".
وقوله: (لِلْقُرْآنِ") أي: لاستماع تلاوة القرآن، كما قال في الرواية الآتية: "تلك الملائكة، كانت تستمع لك"، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.